أسواق الأوراق المالية في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة
أسواق الأوراق المالية في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة
تقديم
شهد الاقتصاد العالمي منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى هذا اليوم طفرة نوعية وتغيرات كبيـرة تعود أسبابها بالأساس إلى نهاية الثنائية القطبية وترسخ النظام القائم على مبادئ الحريـة،والمبادرة الفردية والاقتصاد الحر كنموذج وحيد ممكن دون منافس، وفي ظل تلك التغيرات كلّها بـرزت وزادت
الحاجة لوجود أسواق الأوراق المالية لدورها في نمو النـشاطات الاقتـصادية وقيامهـا بأنواعهـا الصناعية والزراعية والتجارية والخدماتية، ولاسيما أنها المجال أو الحيز الذي يتـوفر فيـه أدوات ممارسة حركة تلك النشاطات وخصوصاً ما يتعلق برؤوس الأموال المعروضة والخاضعة للاستثمارات
وتقابلها الجهات الطالبة أو المستثمرة لتلك الأموال أي أنهـا تجمـع بـين المؤسـسات الادخاريـة والمؤسسات الاستثمارية ويتحقق من خلال ذلك التوازن بينهما، وتحقق فيها القيم الخاصـة بأسـهم الشركات العاملة فيها، إلا أن تلك التغيرات التي حدثت طيلة النصف الثاني من القرن الماضـي إلـى
اليوم رافقتها أو إصابتها جملة من الأزمات الظرفية المتعاقبة ومن بينها الأزمـة المكـسيكية لـسنة ،1982 وأزمة البورصة الأمريكية في أكتوبر ،1987 والأزمـة اليابانيـة لـسنة ،1990 والأزمـة الآسيوية لسنة 1997 وأخيراً الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت في أقوى آثارها عام .2008
إن ما نتج عن تلك الأزمات بين بشكل واضح لا يقبل الشك أن الأزمات الاقتصادية الكبرى تنتشر عالمياً بشكل سريع ومؤثر وذلك بالنظر إلى الترابط الهيكلي والحرية الاقتصادية، أو الانفتاح الاقتصادي التي توفرها آليات وأدوات ومؤسسات العولمة.
وبذلك ازداد الحديث وعقدت المؤتمرات ونشرت الدراسات عن الأزمة الراهنة عما سواها من أحداث اقتصادية وسياسية، إذْ ظهرت توقعات عديدة سيطرت على تلك الدراسات والتحليلات، وأهمها عودة الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي أو الأزمة الدورية للرأسمالية أو سقوط النموذج الليبرالي وعودة التأميم والاشتراكية، كما اختلف
الباحثون في تحديد أسباب تلك الأزمة إلا أن أبرزها كان يرجعها إلى قيام البنوك بعمليات الإقراض والتسهيلات الائتمانية للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وللأفراد؛ بعيداً عن اعتماد أسس الضمان والملاءة المالية من جانب، وعدم أخذ الاحتياطات الكافية لتلافي الوقوع في مشكلة عدم.القدرة على مواجهة السحب من قبل المودعين من الجانب الآخر، فضلاً عن التغيرات السريعة في أسعار الفائدة فاقم من أعباء سداد تلك القروض، مما أوجد ما يسمى بسوق تجارة الديون عبر تحويل تلك الديون إلى سندات بأغراض المتاجرة ومحاولة تسديد جزء منها، ومن ثم فإن محصلة تلك الإخفاقات ستصب حتماً في أسواق الأوراق المالية عبر المؤسسات والبنوك المكونة لها
وبناء على ما تقدم فإن هذا البحث هو قراءة جديدة وتحليل نظري وعملي لموضوع أسواق الأوراق المالية الذي يعد واحداًً من مكونات الأسواق المالية الثلاثة (أسواق النقد، أسواق رأس المال، أسواق الأوراق المالية) في ظل ظروف ومستجدات العالم الاقتصادية وأبرزها الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة التي ألقت بظلالها على منظومة الأعمال والأموال، ومن أهمها منظومة أسواق الأوراق المالية، ولاسيما أنها كانت أكبر المتأثرين بتداعيات تلك الأزمة فضلاً عن أنها تتمتع بدور كبير في الاقتصاديات جميعها مهما اختلفت تطبيقاتها وآلياتها التي تسير العملية الاقتصادية، على الرغم من اختلاف هذا الدور وفقاً لاختلاف الفلسفة الاقتصادية والنظام الاقتصادي .