سوق الأوراق المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق دراسة حالة رأس المال الإسلامي في ماليزيا
سوق الأوراق المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق دراسة حالة رأس المال الإسلامي في ماليزيا
ملخص البحث
شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً بأسواق الأوراق المالية في الدول النامية والدول المتقدمة على حدٍ سواء، نظراً للدور الهام الذي تؤديه في ميدان الحياة الاقتصادية، فالجزء الأكبر من موارد البلاد تتجه إلى هذه الأسواق باعتبارها الوعاء الذي عن طريقه يتم توجيه هذه
الموارد نحو الأنشطة الاقتصادية، وهذا يستلزم التأكد من أن أعمال سوق الأوراق المالية وأنشطتها تلتزم بالمعايير والضوابط الشرعية، فإن لم تكن كذلك، فإنها قد تتحول إلى مسرح للعبث بثروة البلاد ومجالاً للكسب الحرام.
ويهدف البحث إلى الإجابة على العديد من التساؤلات المطروحة حول مدى توافق معاملات وأنشطة سوق الأوراق المالية مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإلى أي مدى يتطابق الواقع العملي التطبيقي مع نظرية عمل سوق الأوراق المالية الإسلامية، تلك النظرية التي وضعها علماء الاقتصاد المسلمين وأقرها الفقهاء في العالم الإسلامي، وهل استطاعت تلك الأسواق المالية أن توفر هذا المناخ الإسلامي للاستثمار، وأن تقوم بتوليد أصول مالية قادرة على جذب المدخرات
وتوفير فرص التمويل المربحة في النشاطات الاقتصادية المختلفة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
ولتحقيق هذا الهدف قام الباحث بدراسة حالة البورصة الماليزية المحدودة “سوق رأس المال الإسلامي” كأحد البورصات العالمية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية على معاملاتها، وحاول الباحث إجراء المقارنة بين التطبيق العملي وبين الجانب النظري لإطار العمل في هذه البورصة من خلال ثلاثة فصول رئيسية استعرض فيها الباحث ماهية سوق الأوراق المالية موضحاً أهم خصائصها، وشروط تكوينها ومقومات نجاحها، وأهم الأدوات المتداولة فيها ،ومفهوم الكفاءة و شروطها في تلك السوق، ثم جاء الفصل الثاني ليعرض الإطار العام لنظرية عمل سوق الأوراق المالية الإسلامية بتحديد مفهومها، وعملياتها، وأهم أوجه الاختلاف بينها وبين الأسواق التقليدية، وأهم الأدوات المتداولة فيها وحكمها في ميزان الفقه الإسلامي، وأما الفصل الثالث، و الذي يمثل الحالة العملية التطبيقية تناول الدراسة التفصيلية والمتعمقة لسوق رأس المال الإسلامي الماليزي، ونشأته، وتطوره، ودور الرقابة الشرعية في معاملاته، وأهم
الأدوات المتداولة في تلك السوق ،والتكيف الفقهي للأدوات التقليدية المتداولة فيه، ومدى أهمية تفعيل الأدوات المالية الشرعية في هذه السوق.
وقد خلص البحث إلى عدة نتائج أهمها تلك التي تحقق الغرض الرئيسي من البحث، وهي بوجود فروق جوهرية بين النظرية والتطبيق في إطار عمل سوق الأوراق المالية الإسلامية، وهو يعزى إلى مجموعة من العوامل والمسببات أهمها: وجود اختلافات فقهية بين العلماء والفقهاء المعاصرين حول الحكم الشرعي لبعض معاملات السوق من حيث الجواز أو الحظر حسب تصورات وافتراضات أو حتى اجتهادات قد تكون خاطئة في أساسها للحكم على مدى مشروعية بعض الأدوات المالية المتداولة في تلك السوق، حيث أنها لا توفر الحد الأدنى المطلوب للحكم عليها بأنها أداة مالية شرعية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، كما توصل الباحث إلى أن تلك السوق لا تستطيع العمل بمعزل عن البيئة الاقتصادية التي تتواجد فيها مما يشير إلى عدم استقلاليتها وخصوصيتها لتمارس أعمالها وفق ما صممت لأجله دون أن تلتزم بالتشريعات والقوانين والسياسات النقدية والمالية الحاضنة لتلك الأسواق، وأن هذه الأسواق لم تكن لتتطور
وتحقق النجاح بدون الدور الفعال التي تمارسه الجهات الرقابية الشرعية فيها لضبط معاملاتها وأدواتها وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وقد أوصت الدراسة بضرورة إعادة النظر والتقييم لبعض الأدوات المالية المتداولة في بورصة الأوراق المالية حتى تكون أكثر توافقاً مع أحكام الشريعة، وضرورة التنسيق والتعاون بين حكومات البلدان الإسلامية لإنجاح تجربة سوق الأوراق المالية الإسلامية لتكون النموذج الإسلامي المنافس للأسواق العالمية، وأخيراً يوصي الباحث بمزيد من البحث والدراسة في هذا السياق لغرض التأصيل لتلك التجربة الإسلامية الواعدة.