مبادئ دعوى الغاء وسحب القرار الإداري
سحب القرار الإداري
إن القرارات الإدارية وبصفه عامه, تعتبر أكثر مرونـة واقل استقرارا من الأعمال القانونية في مجال القانون الخاص . ومـن المسلم به في فقه القانون العام الحديث أن: القرارات الإدارية تخضع لقواعـد مغايرة تماما عـن تلك التي يعرفها القانون الخاص, وأن هذه القواعد تستجيب بمرونـة لمقتضيات حسن سير المرافق العامة ذلك أن المرفق العام الذي ترجعه إليه غالبيه قواعد القانون الإداري الحديثة , يخضع لثلاث أسس عامه هي : دوام ســره بانتظام وإطراد, وقابليته للتغير والتبديل في كل وقت, ومساواة المنتفعين أمامه.
ومـن هـذه الأسس الثلاثة اشتقت معظم أسس وقواعد القانون الإداري الحـديث, ومنها القـواعد المتعلقة بإمتيازات السلطة الإداريـة 4 وتعد القرارات الإدارية من أهم مظاهر
الإمتيازات التي تتمتع بها السلطة الإدارية والتي تستمدها من القانون العام وأيضا وسيلتها المفضلة فـي القيام بوظائفهـا المتعددة والمتجددة في الوقت الحاضر لما تحققه مـن سرعه وفاعليه في العمل الإداري, وإمكانية البت من جانبها وحدها في أمر مـن الأمور, دون حاجه إلـى الحـصول على رضــاء ذوي الشأن,أو حتى معاونتهم وذلك بإنشاء حقوق للأفراد أو إلتـزامات علـيهم, هـذا بالاضـــــــافه إلـي قدرة الإدارة على تنفيذها تنفيذاً مباشراً وبالقوة الجبـرية. يمكـن تعـريف القـرار الإداري بأنه (( إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانـون عـن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامـة, بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحـداث مركز قانوني متى كان جائزاً وممكناً قانوناً ابتغاء تحقيق مصلحة عامة)).
إن القانـون الإداري يعترف للإدارة العــــامة, بسلطة تقديرية أو بقدر مـن حرية التصرف فـي مباشـرة معظـم اختصاصاتها ومسئوليتها القانونية – باعتبارها الأمينه على المصلحة العامـة – مـثل هذه السلطة أو هـذا القدر من حرية التصرف يعد بمثابة الشرط الأول لحياة وبقـاء كـل إدارة, خاصـة بعد تعاظم الـدور الذي أصبحت تضطلع به الإدارة العامة في الوقت الراهن, نتيجة تشعب وتداخل مجالات ومسئوليات الدولة الحديثة وتطبيقا من المشرع لهذه السلطة التقديرية التي منحها للإدارة, فقد أعطاها الحق في سحب بعـض مـا تصدره مـن القرارات , إذا كانت هذه القرارات غير مشروعه قانوناً أو كانت قرارات غير ملائمـة ابتغاء للصالح العام وحسن سير المرافق العامـة , وللتخفيف من على عاتـق القـضاء الـذي يسهر علـى رقابة مشروعية القـرارات الإدارية بالإلغاء والتعويض, فمنح الإدارة سلطة سحب قراراتها ليقلل بذلك من حالات اللجوء للقضاء من أجل الطعـن فـي هذه القرارات. ويمكن التظلم من القرارات الإدارية المعيبة, ويكون المتظلم هنا بالخــار سـواء بالتظلم إلى من أصدر القرار المعيب أو إلى رئيسه الاعلي. ويسـمي التظلم الأول بالتظلم الولائي أما التظلم الثاني بالتظلم الرئاسي, ويمتاز هـذا الطريق بالسهولة واليسر كمـا أنـه يحقـق مبدأ المشروعية بالإضافه إلى أنه يحسم المراكز القانونية وهي في مهدها تفاديـا للوصـول بـها إلى القضاء , ويعتبر القرار الصادر في التظلم قراراً إدارياً تفصح به الجهـة الإداريـة عـن إرادتها الملزمة, والدليل على ذلك أنه يجوز للمضرور من هذا القرار اللجـوء للقـضاء للطعن فيه بالإلغاء, كما يجوز للجهة مصدرة القرار (الجهة الإدارية) سحب هـذا القـرار. ومما لا خلاف عليه، أنه يجوز للجهة الإدارية سحب القرارات الإدارية المعيبة بعـيب عـدم المشروعية, وذلـك مثل القرارات الإدارية التي لا تولد حقوقاً أو لإعتبارات عـــــــــدم الملائمة,أما بالنسبة للقرارات الإدارية المشروعة هل يجوز للجهة الإدارية مصدرةالقرار أن تسـحب هذا القرار المشروع؟
اسـتقر قـضاء مجلـس الدولـة الفرنسي ونظيره المصري عـلي أنه لا يجوز سحب القرار الإداري السليم, إلا وفقاً للحدود المقررة في القانون في هذا الشأن, وهذه القاعدة مبنية على أســـــــاس عـدم رجعية القرارات الإدارية. ونظراً لأهمية موضوع سحب القرارات الإدارية غير المشـروعة, فقد صيغت فـي صوره نظرية متكاملة ذات قواعـد وشـروط , صاغها مجلس الدولة الفرنسي , ونقلها عنه مجلس الدولة المصري. ويري الدكتور احمد حافظ نجم أن سـحب القرار الإداري غيـر المشروع يعتبر نوعا من الجزاء الذي توقعه الإدارة علـيــــها بنفسها نتيجة إصدار قرار غير مشروع، توفر بـه علي نفسها تلقي ذلك العقاب مـن القاضي الإداري, فيما لو طعن أحد الإفراد أمامه بعدم مشروعيه ذلك القرار, بما يجعله قاضـيا بإلغائـه لا محالة. وإذا كان كل من سحب القرار الإداري وإلغائه, يؤديان إلى نتيجةواحـده وهـي الـتخلص من القرار المعيـب, إلا أن أسباب سحب القرار الإداري أوسع من أسباب الطعـن بالإلغاء, فهي علاوة علـى احتوائها على الأسباب التقليدية للطعن بالإلغاء , فإنها تتضمن السحب لاعتبارات الملائمة ووفقا لمقتضيات المصلحة العامة, بالاضافه إلى أن
اللجـوء إلـى طريق التظلم من القرار الإداري المعيب توصلا إلى سحبه, هـو طري سـهل وميـسـور علـى المـضرور مـن هذا القرار, لأنه يوفر عليه مؤنـه اللجوء للقضاء.
وتتمـثل الحكمة الأساسية من منح المشرع للجهة الإدارية مصدرة القرار الحق فـي سحب هـذا القـرار, هـي الوصـول إلـي احترام القانون وذلك من خلال التوفيق بين اعتبارين
متناقضين:
الأول: تمكين الجهة الإدارية مـن إصلاح ما ينطوي عليه قراراها مــن مخالفة قانونية
الثانـي: ويتمـثـل فـي وجوب استقرار الأوضاع القانونية المترتبة علـي القرار الإداري,
والـسحب بهـذه الـصورة يحفظ لمبدأ المشروعية قوته وفاعليته بإذلالـه القرارات الـتي تصدر بالمخالفة له وتدفع الأفراد إلى احترامه. ومن هذا المنطلق سوف نقسم هذا البحث إلى ثلاث فصول, نتحدث في الفصل الأول منـها عن ماهية سحب القرار الإداري وذلك مـن حيث تعريفه وبيان طبيعته القانونية والأسـاس القانوني لحق الجهة الإدارية في سحب قراراتها ثـم نعقد مقارنة سريعة بين كلا من السحب والإلغاء، وفي الفصل الثاني نتعرض بالحـديث عن أنواع القرارات الإدارية مـن حيث مـدي جواز سحبها ونفرق في هذا الشأن مـــــــن القـرارات الإداريـة المشروعة ومدي جواز سـحبها والإستثناءات التي ترد عليهـا والقـرارات الإداريـة غير المشروعة، أما في الفصل الثالث فنتعرض فيه للآثار التي تترتب على سحب القرار الإداري.
مبادئ دعوى الغاء وسحب القرار الإداري