محضر الضابطة القضائية ودورها في إثبات الجرائم المعلوماتية

محضر الضابطة القضائية ودورها في إثبات الجرائم المعلوماتية

محضر الضابطة القضائية ودورها في إثبات الجرائم المعلوماتية

مقدمة
إن نظرية الاثبات الجنائي والتي تعتبر ذات أهمية كبيرة في الإجراءات الجنائية ، ذلك أن الجريمة واقعة تنتمي إلى الماضي، وليس في وسع المحكمة أن تعينها بنفسها ، وتتعرف على حقيقتها ، وتستند في ذلك فيما تقضي به من شأنها ، ومن ثم يتعين عليها أن تستعين بوسائل تعيد إليها رواية وتفاصيل ما حدث وهذه الوسائل هي أدلة إثبات ، ولا يثور الإثبات الجنائي إلا إذا وقعت الجريمة بالفعل ، ويريد الإثبات على واقعة تنتمي إلى الماضي باعتبار أن عمل القاضي ينصب على الجريمة والمسؤولية التي نشأت عنها ، والإثبات في المواد الجنائية هو كل ما يؤدي إلى إظهار الحقيقة ، بحيث يصبح موضوع الإثبات الجنائي يتضمن إثبات وقوع الجريمة بوجه عام من جهة ، ونسبة هذه الجريمة للمتهم بوجه خاصمن جهة أخرى.
محاضر الضابطة القضائية ودورها في اثبات الجرائم المعلوماتيةووالإثبات في المواد الجنائية محكوم بقواعد خاصة ، تجعل له ذاتية متميزة تنعكس على قواعده على نحو يجعل له نظرية مستقلة عنه في فروع القانون الأخرى ، سواء من حيث عينه أو أدلته ، وهدف الإثبات في الإجراءات الجنائية هو البحث فيما إذا كان من الممكن أن يتحول الشك الى اليقين ، وتستهدف قواعد الإثبات تمحيص هذا الشك ، وتحري الوقائع التي انبعثت عنها ، والقول في النهاية إذا كان قد تحول إلى يقين تبنى عليه الإدانة أم أن ما أمكن الوصول إليه بتطبيق قواعد الإثبات لم يفلح في ذلك ، فبقي الشك على حاله ، ومن ثم تستحيل الإدانة ، سواء تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي أو الجرائم المرتكبة عبر الانترنت.
هذا و تقوم محاضر الضابطة القضائية من خلال التحصيل على أدلة معلوماتية لإثبات الجريمة المعلوماتية ، فبإمكان الضابطة القضائية في مجال الجريمة المعلوماتية القيام
بإجراءات البحث والتفتيش في النظام الحاسوبي المعلوماتي ، وضبط المعطيات التي يمكن التحصيل عليها أو إجراءات المعاينة و الحجز على معطيات مخالفة لهذه النظم القانونية ،محاضر الضابطة القضائية ودورها في اثبات الجرائم المعلوماتية فلا تخلو هذه الوسائل التقليدية من أهمية كبيرة في إثبات الجريمة المعلوماتية ، وذلك على الرغم من العقبات والصعوبات الواقعية والقضائية التي تعترض استخدمها في هذا المجال ،والإثبات عن طريق محاضر الضابطة القضائية المعمول بها وفقا لقانون المسطرة الجنائية سواء التشريع المغربي أو القوانين المقارنة ،يقتضي البحث عن الأدلة باستخدام التقنيات والقواعد المرتبطة بالبحث والاستدلال ، غايتها إقناع القاضي الجنائي بالإدانة أو البراءة ،على اعتبار أن الإثبات يتحكم في مصير الدعوى العمومية .
لقد عرف قانون المسطرة الجنائية 4 المحضر في المادة 24 بأنه ” هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسته لمهامه وضمنها ما عاينه وما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصاته …”، وذلك على خلاف قانون المسطرة الجنائية الملغى ، كما عرفه الفصل 70 من قانون الدرك الملكي 5 بأنه ” الوثيقة التي يضمن فيها جنود الدرك الملكي ما عاينوه من مخالفات أو ما قاموا به من عمليات أو ما تلقوه من تعليمات “.
و هناك من الفقه من عرف قبل صدور قانون المسطرة الجنائية الجديد المحضر على أنه ” مخالفة من المخالفات العادية التي يمكن أن يسجلها شرطي ضد الأشخاص ” ، و قد عرفه البعض الآخر بأنه ” ورقة رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بحسب ما يقرره القانون ، ينجز من قبل موظف مختص هو ضابط أو عون الشرطة يضمنه ما عاينه من وقائع (اي الجريمة موضوع البحث واطرافها والأدلة التي تم التوصل إليها ) محترما في ذلك مجموعة من الشكليات “.
و لم يتطرق المشرع المغربي لتعريف الجريمة المعلوماتية ، وإنما قدم بالتأطير القانوني لهذا النوع المستحدث من الجرائم ، ومن ثم فإن – المشرع المغربي والفرنسي على حد سواء – ترك مهمة تحديد مفهوم الجريمة المعلوماتية للفقه والقضاء ، الذي اختلفت التعريفات التي قدمها باختلاف الزاوية التي ينظر منها لتموقع الحاسوب الآلي داخل الجريمة المعلوماتية ، وعليه فقد عرف بعض الفقه الجريمة المعلوماتية على أنها ” الغش والسرقة والابتزاز وغيرها من أنواع الجريمة وذلك بتسخيرها أو إساءة استخدام الحاسب الآلي “، وهناك من الفقه «من عرفها على أنها ” تلك الجريمة التي تتم بواسطة الحاسوب ،و الواقع خلاف ذلك إذ هناك زمرتين من الجريمة المعلوماتية ، الزمرة الأولى تضم الجرائم التقليدية كالنصب والاختيال أو السرقة أو التزوير وتبيض الأموال ، وبصفة عامة كل أشكال الإجرام المنظم ، حيث يكون الحاسوب وسيلة لارتكابها ، والزمرة الثانية تتعلق بجرائم حديثة يكون الحاسوب والمعلومة هما الموضوع المستهدف بالجريمة ” ، وذهب البعض الآخر 10 إلى القول بأن الجريمة المعلوماتية تتمثل في ” كل عمل أو امتناع يأتيه الإنسان إضرار بمكونات الحاسب المادية والمعنوية وشبكات الاتصال الخاصة به باعتبارها من المصالح والقيم المتطورة التي تمتد مظلة قانون العقوبات لحمايتها ” .
أما بالنسبة للقضاء المغربي فلم يعرف الجريمة المعلوماتية إلا أن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا )عرفت نظام المعالجة الآلية للمعطيات بكونه ” كل مركب يتكون من وحدة أو مجموعة وحدات معالجة تتكون من الذاكرة والبرامج والمعطيات وأجهزة الربط والإدخال والإخراج تربط بينهما مجموعة من العلاقات عن طريقها تتحقق نتيجة معينة وهي معالجة المعطيات شريطة أن يكون ذلك المركب خاضعا للنظام الحماية “.
إن نظام الإثبات قديم قدم العلاقات والمعاملات الإنسانية ، ففي ظل مجتمع تغيب عنه المثالية وتتعارض فيه المصالح ، قد تنزع النفس البشرية إلى انكار حقوق الآخرين ، مما يجعل صاحب الحق مجبرا على إثبات حقيقة ما يدعيه بالطرق الجائزة أمام السلطة التي أناط بها المجتمع حماية الحقوق وهي السلطة القضائية .
وتكتسي دراسة موضوع محاضر الضابطة القضائية ودورها في إثبات الجريمة المعلوماتية أهمية بارزة على المستوى النظري والعملي في كون المحاضر المنجزة من طرف
الضابطة القضائية تعتبر وسيلة إثبات مهمة نظرا للقوة الثبوتية التي خصاها بها المشرع في إثبات الجريمة ، و ارتباط الجريمة المعلوماتية بميدان حيوي وأساسي وخطير وهو الميدان الجنائي المرتبط بمبدأ الشرعية الجنائية و العقوبة ، وفي ندرة الكتابات الفقهية وكذا الأحكام
أو القرارات القضائية في الموضوع .
فضلا على أن المحضر يعتبر ترجمة للجهود التي تبذلها الشرطة القضائية ويعكس مدى احترام عناصر هذا الجهاز للقانون خلال إنجازها للأبحاث التمهيدية ، حيث يتعين عليها التوفيق والموازنة بين تحقيق الاستقرار الأمني و حماية الحقوق والحريات الفردية ، خاصة فيما يخص إثبات الجريمة المعلوماتية بالنظر إلى الاشكالات التي تطرحها ، حيث أن مرتكبيها يختلفون عن فئة المجرمين الاعتياديين باعتبارهم أشخاص على مستوى عال من العلم والمعرفة مما يصعب مهمة اكتشافهم وإثبات نسبة الفعل المادي المكون للجريمة لهم .
و مر نظام الإثبات بثلاثة مراحل مختلفة ، كانت البداية بنظام الإثبات المطلق والذي عرفته المجتمعات البدائية ، وتأخذ به أغلب التشريعات ، أما المذهب الثاني وهو نظام الأدلة القانونية الذي عرف خلال القرنين 16 و17 ، حيث كان يحدد المشرع الأدلة التي يتعين على القاضي أن يعتمدها في الحكم ، وبخصوص المذهب الثالث فيتجلى في نظام الإثبات المختلف ، الذي يقوم على التوفيق بين النظامين السابقين ، يوفق بين قناعة القاضي وقناعة المشرع ، إذ يترك هذا النظام الحرية للقاضي في تقدير الأدلة التي يرسمها له المشرع .
وقد دخل نظام الاثبات الجنائي في العصور الحديثة مرحلة الاثبات العلمي فتأثر هذا النظام بما حققه العلم من تقدم في مجال الخبرة ، وتحديد دلالة القرائن في الاثبات العلمي ، كما طرحت مشكلة مشروعية الأدلة العلمية ، واعتمادها أساسا تبنى عليه الاحكام الجنائية ،فكان للتطور العلمي أثر كبير في ميدان الاثبات ، وقد شملت النهضة العلمية مجالات التحقيق الجنائي العلمي ( criminalistique ) وطب الشرعي (medicine legal ) وعلم قياس الاعضاء (Anthologie) و علم الاجرام (criminology ) 14 ، وفي مطلع القرن 21 تطورت الجريمة المعلوماتية حيث ظهرت فئة جديدة تستخدم الحاسوب كأداة لتنفيذها كما هو الشأن بالنسبة للتجسس أو الإرهاب الإلكتروني وذلك بفضل ثورة التقنية المعقدة للمعلومات .
ونشأت الحاجة الى التجاء القاضي بسبب افتقاره للمعرفة التقنية لإخصائيين من رجال العلم، حيث يستطيع القاضي عن طريقها تشكيل قناعته الوجدانية على أسس علمية سليمة كتحليل الدم ، والبصمات وغيرها من وسائل البحث الجنائي ، إلا أن هذه المرحلة لم تشمل مرحلة نظام الاثبات الحر، بل دعمته وأصبح هناك توافق و تساند حيث أن القاضي الجنائي أصبح يعتمد على الوسائل العلمية ، لكشف الحقيقة ولم ينظر لها على أساس أنها حريته في الاقناع .
ولمواكبة هذا التطور السريع لهذه الجرائم وتزايدها المستمر ومراعاة لخطورتها ، وضع المشرع المغربي إطارا مجرما لها ، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 07.03 المتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة لآلية للمعطيات 17 ، هذا القانون الذي يمثل الإطار الأساسي لمحاربة الجريمة المعلوماتية في المغرب .
يتعلق الأمر بمشروعية بعض التسبات كالتغير، والتقويم واستعمال آلة كشف الكتب ، وتحليل الدم ، وغيرها من الأمور التي تنهك السلامة البنية للإنسان.
محاضر الضابطة القضائية ودورها في اثبات الجرائم المعلوماتية ومع ذلك فإن الأدلة المعلوماتية تسجل تحولا هاما في تاريخ الاثبات ، وتنفرد الأدلة المعلوماتية عن الأدلة الجنائية التقليدية المعتادة من حيث مكان وجوده أو البيئة التي تحكمه أو الإجراءات التقنية والفنية الخاصة بجمع الأدلة في هذا الباب ، وتعمق الهوة بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية القائمة على النهج التجريبي ، مسيرة هذا التطور ومتواصلة الخطى ، وبالتالي لا يكفي الوصول إلى الدليل الإلكتروني في الجريمة المعلوماتية حتى تنسب لشخص معين من طرف القاضي الجناني ، بل يجب أن تكون للدليل قيمة قانونية موضوعية و إجرائية تعطيه القوة الثبوتية الضرورية في الإثبات .
ورغم أن محاضر القضائية تعتبر بمثابة وسيلة إثبات مهمة ، بحيث جعلها المشرع المغربي مقدمة على باقي وسائل الإثبات عن طريق ترجيح قوتها الثبوتية ، فإنه جعلها أيضا متفاوتة في حجيتها ، فمنها محاضر لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور ، ومنها ما هي قابلة لإثبات العكس ، ومنها ما يعتبر مجرد معلومات ، وهذه الحجية لا تتأتى إلا إذا كان المحضر قد أنجز وفق الشكليات والضوابط القانونية التي أقرها القانون.
وعليه فالإشكالية التي تتمحور في هذا الموضوع تتمثل في :
ما مدى مساهمة محاضر الضابطة القضائية في إثبات الجريمة المعلوماتية ؟
و معالجة موضوع محاضر الضابطة القضائية ودورها في إثبات الجريمة المعلوماتية يطرح مجموعة من الفرضيات فنجد على أنه هناك فرضية تتعلق بمدى صلاحية الضابطة
القضائية في تحرير وجزاء بطلان المحاضر في الجريمة المعلوماتية .
بالإضافة إلى مدى القوة الثبوتية لمحاضر الضابطة القضائية ، وسلطة القاضي الجنائي أمام هذه المحاضر في إثبات الجريمة المعلوماتية .
عبد المولى من أنبية ، الدليل الالكتروني في الاثبات المالي في القانون المغربي ، مقال منشور بسملة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والإجابة على الإشكالية المحورية للبحث ارتأينا الاعتماد على المنهج التحليلي ، والمنهج المقارن – كل ما تطلب الأمر ذلك . من أجل الوقوف على بعض النواقص والتغيرات التي تعترض القانون المغربي في اثبات الجريمة المعلوماتية ، مجسدين هذا التوجه في البحث نعتمد التقسيم التالي :
الفصل الأول : الأحكام المؤطرة لمحاضر الضابطة القضائية في الجريمة
المعلوماتية.
الفصل الثاني : دور محاضر الضابطة القضائية في اثبات الجريمة المعلوماتية

لتحميل الكتاب اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى