الرهن الرسمي العقاري (ضمانة بنكية للدائن المرتهن)

الرهن الرسمي العقاري (ضمانة بنكية للدائن المرتهن)

الرهن الرسمي العقاري (ضمانة بنكية للدائن المرتهن)

مقـدمـة

يعتبر الائتمان(1) عصب الحياة الاقتصادية وقوامها في وقتنا الراهن، فهو أحد الركائز الأساسية في تشجيع الاستثمارات وازدهارها.ذلك أن الرفع من وثيرة الاقتصاد، رهين بوجود استثمارات تلزم لقيامها توفر رأسمال ضخم، وهو الأمر الذي يعجز المستثمرون في كثير من الأحيان عن توفيره.

لذلك يقصدون مؤسسات الائتمان التي تمنحهم السيولة اللازمة في شكل قروض، سواء بالنسبة للمستثمرين كأشخاص معنوية بتمويل مشاريعها المختلفة أوحتى بالنسبة للأشخاص الطبيعيين لمحدودية دخلهم وقدرتهم الذاتية على تمويل ما يقومون به أو يحتاجون إلى اقتنائه.

يطلبها، بل ينبني تقديمها على ثقة أكيدة للمؤسسة مانحة القرض في شخص طالب غير أن منح هذه القروض من طرف المؤسسات البنكية لا يتأتى إلى كل من الائتمان، حيث تطمئن وتضمن حسن توظيف رأسمالها واسترجاعها لديونها دون عناء.
ولقد أحاط المشرع المغربي الدائن العادي، بنوع من الحماية بإقراره نظام الضمان العام (Régime de gage
général ، وما يتفرع عنه من وسائل وإجراءات تحفظية أو تنفيذية (3) لتمكنه من حماية حقه في حالة المساس به من قبل المدين.

وبالرغم من ذلك، فإن الدائن الحريص لا يكتفي عادة بما يقرره القانون من وسائل الحماية القانونية في الضمان العام.
ذلك أن فكرة الضمان العام قد أبانت عن محدوديتها وقصورها، في توفير الثقة والأمان المطلوبين في النشاط الائتماني للمؤسسات البنكية، حيث كان الدائن العادي تحت رحمة مدينه، لا ملاذ له إلا أمانة هذا المدين ونزاهته، وإلا
ملاءته، وحتى يستطيع الدائن أن يطمئن إلى استيفاء حقه، يحاول أن يقوي تجاه المدين، من خلال ما يفرضه من شروط تحقق له حماية حقه، وتكفل يفاء دينه عند حلول أجله، وتتجلى هذه الشروط فيما يطلبه من (ضمان خاص) يدعم به الضمان العام، ويدرأ عنه بها غش أو إهمال المدين ويجعله في وضع أحسن بالنسبة لباقي الدائنين.
وتتجلى هذه الشروط في الضمانات العينية، التي بموجبها يتم تخصيص مال معين لضمان دين معين، بحيث يظل المال المخصص لضمان الدين متصلا بهذا الـضـمـان حتى ولو تصـرف فـيـه الـمـديـن بأي شكل من أشكال التصرف، لأن الضمانات العينية تمنح لصاحبها حق التتبع، بمعنى أن المالك إذا باع المال المثقل بهذا الضمان العيني، كان للدائن صاحب الضمان أن ينفذ على هذا المال في يد مشتريه ليستوفي دينه من ثمنه، والدائن في استيفائه لدينه يكون مقدما على غيره من الدائنين العاديين، لأن الضمان العيني يمنح صاحبه حق الأفضلية، أي حق استيفاء الدين دون الخضوع لقاعدة المساواة التي يخضع لها الدائنون العاديون.وتعرف الضمانات العينية في القانون المغربي بالحقوق العينية التبعية، وهي سميت كذلك لأنها تنشأ لضمان الوفاء بحق آخر هو حق الدين، وتتبع هذا الحق في وجوده وعدمه.وهي بهذا تختلف عن الحقوق العينية الأصلية، التي تقوم بذاتها ولا تستند في وجودها إلى أي حق آخر تتبعه، وهي حق الملكية وحق السطحية وحق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى والكراء الطويل الأمد وحقوق الارتفاق والوقف والأحباس ثم الحقوق الإسلامية.وتشمل هذه الضمانات العينية الرهن بنوعيه الحيازي والرسمي، وحق الامتياز .وهناك فروق جوهرية ما بين حق الامتياز والرهون، فحقوق الامتياز لايمنحها إلا القانون، ولا يستطيع الاتفاق أو القضاء أن يمنح حق امتياز للدائن على مال معين، أما الرهون فالأصل فيها أن يمنحها الاتفاق أو القضاء أحيانا بدون رضا المدين، كما هو الحال في الرهن الرسمي الجيري.والفرق الثاني، يتجلى في تقدم الدائن على غيره من الدائنين، وهذا التقدم يمنحها القانون في حق الامتياز إن كان متوفرا لصاحبه، كما أن الدائنين أصحاب حق امتياز واحد، يشتركون جميعا في استيفاء حقوقهم دون تقديم بعضهم على بعض.أما الدائنون المرتهنون، فتقديم أحدهم على الآخرين لا يكون، إلا باعتبار رتبة الحق من حين تاريخ تسجيله في السجل العقاري.أما فيما يخص الرهون كضمانات عينية، فيختلف الرهن الرسمي عن الرهن الحيازي، فهذا الأخير يقوم على تجريد المدين من حيازة الشيء المرهون، إذ يعطل انتفاعه به، بخلاف الرهن الرسمي الذي يتيح للمدين الاحتفاظ بحيازة المال المرهون، على أن يكون للدائن حق طلب بيعه أينما وجد وأخذ دينه من ثمنه متقدما على باقي الدائنين(2.فهذه الخصائص المميزة للرهن الرسمي هي التي تجعل الدائنين، وخصوصا مؤسسات الائتمان تعطي الأفضلية للرهن الرسمي العقاري، الشيء الذي جعل هذه الضمانة تعرف حضورا متزايدا في مجال ضمان الوفاء بالقروض، حيث تتصدر الضمانات العينية الأخرى بسرعة انتشارها وازدياد أهميتها سواء من حيث قيمة الأموال المضمونة برهون رسمية أو من حيث قيمة الأعيان المضمونة ضمانا لهاته الديون(1).أولا : أهمية الدراسة ،إن الأبناك قليلا ما تلجأ إلى الرهن الرسمي العقاري في القروض القصيرة الأمد، إذ أن نسبة المغامرة تكون محدودة في الأجل القصير، بخلاف القروضالمتوسطة والطويلة الأمد.غير أن عدم إرجاع هذه القروض الممنوحة، وتسديدها تلقائيا في مواعي داستحقاقها، قد يؤدي إلى مخاطر من شأنها أن تلحق أضرارا جسيمة بمؤسساتالائتمان.ومن ثمة، فإن الدائنين يضطرون إلى التشدد في إلزام طالبي القروض بتقديم ضمانات كافية، ليضمنوا استرجاع ديونهم، والتي في مقدمتها يأتي الرهن الرسمي العقاري.انطلاقا من الاعتبارات السابقة، تبرز أهمية تناولنا لموضوع الرهن الرسمي الاتفاقي تحديدا، ومدى فاعليته بالنسبة للدائن المرتهن كضمانة بنكية، وذلك منخلال ثلاثة أوجه :متفرقة، ومنهـا ظهيـر التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913، وظهيـر2 يونيو 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة وقانون المسطرة المدنية، والمرسوم الملكي بمثابة قانون الصادر في 17 دجنبر 1968 المتعلق بالقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء والقرض الفندقي، وقانون المحاكم التجارية ومدونة التجارة، في حالة ما إذا كان النزاع بين تاجرين واتصل الرهن الرسمي بأعمالهما التجارية، وقانون الالتزامات والعقود متى أثيرت مسألة موضوعية كالوفاء بالدين أو بأجل ذلك الوفاء.ومن الناحية العملية، قد تشوب مسطرة تحقيق الرهن الرسمي صعوبات الـدائـن الـمـرتـهـن فـي اقـتـضـاء حـقـوقـه، وهـو مـا يشكل شبحا مخيفا، تثنيهم وتحول دون إقبالهم على شراء السندات المتولدة عن الرهن رسمي، مما قد يضعف من دوره الائتماني، وعلاوة على ذلك فإن الأفضلية التي يتمتع بها الدائن المرتهن قد تكون محدودة بسبب تزاحم ديون ممتازة معه، أوعندما تعترض المدين الراهن صعوبات في الأداء، مما ينجم عنه قصور في الضمان العيني المخول للدائن المرتهن.أما من الناحية الاقتصادية، فإن تأثر مركز الدائن المرتهن بعدم استخلاصه لديونه أو تأخره في استيفائها، قد يؤدي إلى فقدان الثقة(1) في الائتمان الذي هو العمود الفقري للنشاط الاقتصادي، فإذا لم يتمكن الدائن المرتهن من استيفاء دينه في الوقت المحدد، فإن ذلك سيؤثر في الحلقة الاقتصادية التي يتعامل في إطارها،فكما أن الدائن المرتهن هو دائن، قد يكون أيضا مدينا لغيره.ثانيا : الإشكالات التي يطرحها الموضوع :إذا كـان الـرهـن الـرسـمي العقاري يشكل ضمانة عينية مفضلة لدى الدائن المرتهن، لما يضمن له من حق في استيفاء دينه من العقار محل الرهن، من غير أن له، إلا أن فاعليته قد تظل قاصرة ومحدودة بالنظر للإشكالات التالية :
يحمله عبئا في إدارته واستغلاله، ودون أن ينشأ عن بقاء العقار في يد المدين ضرر فعلى مستوى عقد الرهن الرسمي، ما زال المشرع المغربي يأخذ بالمحررات العرفية في إبرام هذا العقد، وهو ما قد يؤدي إلى بروز عدة مشاكل ومخاطر على مستوى الإثبات والتنفيذ.
كما قد يواجه الدائن المرتهن عند إقدامه على تحقيق ضمانته العينية استيفاء لدينه، بمسطرة بطيئة ومعقدة نظرا لتنوع الطعون وتعدد المنازعات. وهو ما يعتبر إشكالا حقيقيا يستلزم البحث عن الحلول الكفيلة بتبسيط هذه المسطرة والإسراع بها بما يضمن لها الفعالية ويبعث روح الثقة والطمأنينة لدى مانحي القروض.
ومن الإشكاليات المثارة أيضا، ما يعرفه حق الأفضلية المترتب لفائدة الدائن المرتهن في استخلاص دينه من قصور في حالة تزاحمه مع بعض الديون الممتازة.
كما قد يصبح الدائن المرتهن ضحية نظام مساطر صعوبات المقاولة المدينة له، هذا النظام الذي يغلب مصلحة المقاولة بالأساس على مصلحته، الشيء الذي قد يؤثر في أهمية وفعالية الرهن الرسمي كضمان عيني.
ثالثا : منهجية الدراسة :
من أجل الإحاطة بمختلف جوانب هذه الدراسة، ارتأينا أن نتبع في بحثنا منهجا تحليليا يمكننا من الوقوف على مضمون النصوص القانونية للرهن الرسمي العقاري في نطاق التشريع المغربي.
خطة البحث
للوقوف على مدى فعالية الرهن الرسمي كضمانة بنكية بالنسبة للدائن المرتهن، سوف نتطرق بداية للمركز الذي يحتله الدائن المرتهن رهنا رسميا، للتعرف على حقوقه من خلال عقد الرهن الرسمي، وبيان الآثار المترتبة عليه. يحمله عبئا في إدارته واستغلاله، ودون أن ينشأ عن بقاء العقار في يد المدين ضرر له، إلا أن فاعليته قد تظل قاصرة ومحدودة بالنظر للإشكالات التالية :فعلى مستوى عقد الرهن الرسمي، ما زال المشرع المغربي يأخذ بالمحررات العرفية في إبرام هذا العقد، وهو ما قد يؤدي إلى بروز عدة مشاكل ومخاطر على مستوى الإثبات والتنفيذ.كما قد يواجه الدائن المرتهن عند إقدامه على تحقيق ضمانته العينية استيفاء لدينه، بمسطرة بطيئة ومعقدة نظرا لتنوع الطعون وتعدد المنازعات. وهو ما يعتبرإشكالا حقيقيا يستلزم البحث عن الحلول الكفيلة بتبسيط هذه المسطرة والإسراعبها بما يضمن لها الفعالية ويبعث روح الثقة والطمأنينة لدى مانحي القروض.ومن الإشكاليات المثارة أيضا، ما يعرفه حق الأفضلية المترتب لفائدة الدائن المرتهن في استخلاص دينه من قصور في حالة تزاحمه مع بعض الديون الممتازة.كما قد يصبح الدائن المرتهن ضحية نظام مساطر صعوبات المقاولة المدينة له، هذا النظام الذي يغلب مصلحة المقاولة بالأساس على مصلحته، الشيء الذي قد يؤثر في أهمية وفعالية الرهن الرسمي كضمان عيني.ثالثا : منهجية الدراسة من أجل الإحاطة بمختلف جوانب هذه الدراسة، ارتأينا أن نتبع في بحثنا منهجا تحليليا يمكننا من الوقوف على مضمون النصوص القانونية للرهن الرسمي العقاري في نطاق التشريع المغربي.على أن ندعم هذه الدراسة التحليلية بمنهج وصفي، وآخر مقارن من أجل الإطلالة على بعض القوانين الأجنبية، كلما استوجب الأمر ذلك.رابعا : خطة البحث :للوقوف على مدى فعالية الرهن الرسمي كضمانة بنكية بالنسبة للدائن المرتهن، سوف نتطرق بداية للمركز الذي يحتله الدائن المرتهن رهنا رسميا،للتعرف على حقوقه من خلال عقد الرهن الرسمي، وبيان الآثار المترتبة عليه.Scanned by CamScanner20 ثم سنتناول العوائق والصعوبات التي يمكن أن تواجه الدائن المرتهن عند تحقيق الضمانات المقررة لفائدته، سواء من حيث إجراءات التنفيذ على العقار المرهون، أو من حيث محدودية وقصور حق الأفضلية والأولوية في استيفاء دينهم.واستنادا لذلك سنتبع في بحثنا التقسيم التالي :الباب الأول : مركز الدائن المرتهن في الرهن الرسمي العقاري.الفصل الأول : حقوق الدائن المرتهن من خلال عقد الرهن الرسمي العقاري.

الفصل الثاني : آثار الرهن الرسمي العقاري بالنسبة للدائن المرتهن.

الباب الثاني : صعوبات تحقيق الضمانات المقررة لفائدة الدائن المرتهن.

الفصل الأول : إجراءات التنفيذ على العقار المرهون.الفصل الثاني : محدودية وعدم فعالية حق تقدم الدائن المرتهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى