تحيين الرسوم العقارية وأثره على التنمية
مقدمة
يرتبط الإنسان بالعقار إرتباطا وثيقا منذ ولادته وإلى ما بعد موته، مصداقا لقوله تعالى ” مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ “[1].
ونظرا لهذا الإرتباط الوثيق، فقد سعت البشرية ومنذ القدم إلى خلق وابتداع قواعد و قوانين من شأنها حماية الملكية العقارية وتحصينها ضد كل اعتداء أو غصب.
على أن نظام السجلات العينية يبقى من أفضل ما ابتكرته البشرية على الإطلاق في هذا الشأن، بحيث أنها تضبط الملكية العقارية في جميع أوجهها الشكلية والموضوعية[2] وذلك بإدراج جميع التغييرات الطارئة على العقار في السجل العقاري، سواء تعلقت هذه التغييرات بحالة العقار المادية أو القانونية، مما يجعلها بمثابة الحالة المدنية للعقار.
وقد أدخل المستعمر الفرنسي هذا النظام إلى المغرب بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، وإن كانت الغاية من ذلك هي تثبيت الملكية العقارية للفرنسيين، وذلك بنزع ملكيتها من أصحابها بأثمان بخسة. فإن المشرع المغربي ارتأى الإبقاء على هذا القانون بعد الإستقلال نظرا لمزاياه الكثيرة منها: ضبط الملكية العقارية وتطهيرها من جميع ما كانت مثقلة به من حقوق قبل تحفيظها، وحماية الدولة لها عن طريق اعتراف القانون المسبق لها ، وكذا تحقيق الأمن العقاري من خلال ما يوفره التحفيظ من دقة ووضوح وأمان من شأنه التقليل من النزاعات، وهو ما ييسر تداول العقارات، وتقوية الإئتمان العقاري وتشجيع حركة العمران، وتنمية الفلاحة وتمكين الدولة من معطيات لإنجاز المخططات الإقتصادية والإجتماعية [3].
غير أن هذه الفوائد لا تتأتى إلا من خلال التطبيق الدقيق والصارم لمختلف القواعد التي سطرها ظهير التحفيظ العقاري بشأن التقييدات على الرسوم العقارية، على اعتبار أن المهم ليس هو تحفيظ العقارات في حد ذاته بتأسيس رسم عقاري خاص بكل عقار،بل لا يعدوا هذا الأمر أن يكون مجرد خطوة أولى يتولاها ما هو أهم وأساسي،ألا وهو مبدأ استمرارية إشهار مختلف العقود والتصرفات على صحيفة هذا العقار، وفي هذا الإطار نجد المشرع قد نظم كيفية التقييد والعقود والتصرفات التي تكون موضوعا للتقييد، والآجال الواجب احترامها،والقوة الثبوتية للتقييدات وآثارها[4].
إلا أنه ورغم وجود هذه القواعد ،فإن الواقع العملي أبان عن مجموعة من المشاكل التي طرحت ووقفت حجرة عثرة أمام نظام التحفيظ العقاري ،ويبقى أبرزها مسألة تحيين الرسوم العقارية التي تعني: جعل البيانات المحددة في الرسم العقاري موافقة بدقة للحقيقة، بحيث أن التحيين ينبثق من المطابقة بين الرسم العقاري وبين الواقع.
وهكذا فقد كشفت المعالجة المعلوماتية لمعطيات السجل العقاري أن نسبة 30% و40% من الرسوم العقارية غير محينة، ولا تعكس الحالة الحقيقية للعقار[5].
كما أن هذا المشكل ليس بحديث العهد، وإنما ولد مع سن ظهير التحفيظ العقاري وهو ما جعله محل أشغال لجنة الإصلاح العقارية المنعقدة سنة 1937 ، كما قامت مصالح المحافظة أن ذاك بإجراء تجربة ميدانية لحل هذا المشكل في محافظتي الرباط والدار البيضاء بمنطقتين محددتين بهما، حيث تم التوصل إلى نتائج لا بأس بها وذلك بمساعدة السلطات المعنية[6].
وقد تجلى الإهتمام بالمشكل كذلك من قبل السلطات العامة، حيث أصدرت العديد من المذكرات الوزارية والقرارات[7] التي تبين حجم المشكل المطروح والعواقب المترتبة عنه. وهو ما حدى بالمشرع بعد الإستقلال إلى حد إعداد مشروع قانون يتعلق بتيويم بعض الرسوم العقارية سنة 1994[8]، والذي لم يتم تفعيله لحد الآن.
ولاشك أن مسألة عدم التحيين تمس بنظام التحفيظ العقاري، وتؤدي إلى الإضرار باستقرار المعاملات العقارية وما ينبغي أن يسودها من ثقة ومصداقية، ولها انعكاس سلبي على تعبئة العقار المحفظ للإسهام في تحريك عجلة الإقتصاد.
كما أن الرسوم العقارية في غياب تيوميها،وفي غياب واقعيتها تصبح ناقصة القيمة، وتصير مدخلا للشك والريبة لدى المنعشين العقاريين، وهذا الأمر يقضي على دورها كضمانة عينية تتيح الحصول على القروض والسلفات الضرورية لخلق الإستثمار وتنشيطه في جميع المجالات الإقتصادية. من هنا تظهر الأهمية القصوى لمعالجة جوانب هذا الموضوع والتي للأسف لم تحضى باهتمام كبير من لدن الفقه ،بحيث يلاحظ شح على مستوى الكتابة في هذا الموضوع.
وهو ما دفعني إلى اختياره [9]، وذلك لمحاولة البحث عن مكامن الخلل على مستوى قواعد القانون العقاري، وكذا القوانين التي لها علاقة ،بهدف تقويم ما يمكن تقويمه، والبحث عن حلول لهذه المعضلة ،وذلك لإعادة الثقة والمصداقية إلى نظام السجلات العينية و التحفيظ العقاري بصفة عامة.
وعليه سوف تكون دراستي لهذا الموضوع على ضوء الإشكالية التالية: إلى أي حد إستطاع المشرع أن يضع قواعد تضمن التطابق مستمرا بين بيانات السجل العقاري وبين الواقع؟
وهل مشكل التيويم مشكل بنيوي يصعب معالجته؟ أم أن رهان التنمية وتسخير العقار في خدمة الإستثمار يفرض البحث عن حلول لتجاوز هذه المعضلة؟
إن الإجابة عن هذه الإشكالية تقتضي تقسيم الموضوع إلى فصلين كالتالي:
الفصل الأول: الإطار المفاهيمي والقانوني لتحيين الرسوم العقارية.
الفصل الثاني: أسباب عدم تحيين الرسوم العقارية وسبل الحد منها.
الفهرس
مقدمة ………………………………………………………………. 1
الفصل الأول: الإطار المفاهيمي والقانوني لتحيين الرسوم العقارية …………. 5
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي لتحيين الرسوم العقارية …………….. 5
المطلب الأول: مفهوم تحيين الرسوم العقاري ……………………… 5
الفقرة الأولى:ماهية التحيين وعلاقته بالأثر المنشئ للتقييدات ……… 5
الفقرة الثانية: الإستثناءات الواردة على واجب …………………… 9
تحيين الرسوم العقارية
المطلب الثاني: حجية التقييدات بالرسم العقاري ………………….. 17
الفقرة الأولى: حجية التسجيل بين المتعاقدين …………………… 18
الفقرة الثانية: حجية التسجيل في مواجهة الغير …………………. 21
المبحث الثاني: الإطار القانوني لتحيين الرسوم العقاري ……………….. 30
المطلب الأول: التحيين على مستوى المالكين للعقار ……………….. 31
موضوع الرسم العقاري
الفقرة الأولى: شهر التصرفات الحقوقية ……………………… 32
الفقرة الثانية:تسجيل الأحكام والقرارات القضائية ……………….. 38
المطلب الثاني: التحيين على مستوى الوعاء العقاري ………………. 42
الفقرة الأولى: شهر أعمال البناء المقامة على العقار المحفظ ……… 43
الفقرة الثانية: شهر أعمال الهدم الواقعة على العقار المحفظ ………. 44
الفقرة الثالثة: شهرالعمليات المتعلقة بالتجزئات العقارية ………….. 45
المطلب الثالث: التحيين على مستوى التحملات ……………………. 47
الفقرة الأولى: تقييد الرهن الرسمي بالسجل العقاري …………….. 47
الفقرة الثانية: تقييد الحجوز بالسجل العقاري …………………… 49
الفصل الثاني: أسباب عدم تحيين الرسوم العقارية وسبل الحد منها ………… 52
المبحث الأول: أسباب عدم تحيين الرسوم العقارية ……………………. 53
المطلب الأول: الأسباب القانونية لعدم تيويم الرسوم العقارية ………… 53
الفقرة الأولى: غياب التدابير القانونية الكفيلة بضمان إشهار ……… 53
الحقوق على السجلات العقارية
الفقرة الثانية: مساهمة القوانين المنظمة في عدم تحيين ………….. 57
الرسوم العقارية
المطلب الثاني: الأسباب الواقعية لمشكل تيويم الرسوم العقارية ………. 63
الفقرة الأولى: تقاعس المتعاملين عن إشهار حقوقهم على ……….. 63
السجلات العقارية
الفقرة الثانية: إنعدام وعي المتعاملين العقاريين بمخاطر …………. 63
عدم التحيين
المبحث الثاني: سبل الحد من آفة عدم تيويم الرسوم العقارية ………….. 70
المطلب الأول: آفاق الحد من مشكل عدم تحيين الرسوم العقارية …….. 70
الفقرة الاولى: الحلول القانونية لعدم تحيين الرسوم العقارية ………. 70
الفقرة الثانية: بعض الحلول التنظيمي لتجاوز مشكل عدم التحيين….. 74
المطلب الثاني: الآليات الكفيلة بتخليص الرسوم العقارية من الجمود ….. 76
الفقرة الأولى: شروط قبول طلبات التيويم ……………………… 77
الفقرة الثانية : قرارات اللجنة بشأن تيويم الرسوم العقارية ……….. 78
خاتمة …………………………………………………………….. 81
الملحقلائحة المراجع المعتمدة ……………………………………………… 83
لتحميل الرسالة بصيغة pdf اضغط هنا
إقرأ أيضا:
منازعات إبرام الصفقات العمومية
[1] الآية 54 من سورة طه.
[2] أستاذنا الدكتور إدريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري بالمغرب، دار النشر الجسور وجدة، طبعة 2000 ص 1.
[3] GUIGOU.J-L, LA PROPRIETE FONCIERE, ECONOMICA.1984. p 98.
[4] Inscriptions sur les livres fonciers marocains, l’immatriculation foncière en 300 question-reponses, administration de la conservation foncier du cadastre et de la cartographie, 1999.p152
[5] مذكرة تقديم مشروع قانون يتعلق بتيويم بعض الرسوم العقارية ، لسنة 1994 ، ص 1.
[6] الحبيب شوراق وعبد الله إدومجود، تحيين الرسوم العقارية، ندوة ثمانون سنة من التحفيظ العقاري حصيلة وآفاق 1913/1993، المنعقدة بالرباط 22/23 نونبر 1993 ، ص 35.
[7] من بين هذه المذكرات والقرارات نجد:
-المذكرة الوزارية بتاريخ 12-12-1934، التي تلزم القضاة بتوجيه نسخة التركات المحررة لديهم في شأن المتروك والتي تهم عقارات محفظة إلى المحافظين العقاريين داخل أجل شهر.
-القرار الوزاري الصادر في 20 أكتوبر 1952 المغير للقرار الوزاري بتاريخ 4-6-1915 المتعلق بتعرفة رسوم المحافظة العقارية حيث أقر تحفظات تهم الإراثات والمخارجات الإرثية
[8] تم اعداد هذا المشروع من طرف مديرية المحلافظة على الأملاك العقارية والمسح العقاري والخرائطية التابعة لوزارة الفلاحة والإستثمار.
[9] خاصة لما عايشته عن قرب لهذا المشكل من خلال فترة التدريب التي قضيتها بالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بمدينة بركان،خلال الفترة الممتدة من 25/05/2008 إلى غاية 25/06/2008.
لتحميل الرسالة بصيغة pdf اضغط هنا