صناعة القرار السياسي بالمغرب

صناعة القرار السياسي بالمغرب

صناعة القرار السياسي بالمغرب

مقاربة سوسيو- سياسية  لنسق السلطة

في عهد الملك محمد السادس

تقديـــم:

من  المعلوم والمتداول في أدبيات علم السياسة الحديث [1]أن جوهر قيام أي كيان سياسي معين ( الدولة ، الجماعة ، القبيلة ،…) هو امتلاك القوة واستعمال القهر[2] ، باعتبارها حاجة طبيعية ودعامة أساسية للوجود والاستمرار، في أفق صيرورة البحث والانتقال من مرحلة القوة إلى مرحلة امتلاك السلطة[3]، هذه الوضعية التي تقتضي توافر  آليات للاشتغال على مستوى تدبير الحكم، تتحدد أساسا في وسائل المشروعية ، والتي يطمح كل كيان سياسي أيا كانت طبيعته إلى امتلاكها وتحقيقها لضمان استمراره وبقائه، وهده المشروعية متجددة بتجدد الحاجات والغايات بالنظر إلى أنماطها[4] وتمثلانها الواقعية. يختلف مضمونها ونمطها حسب السياق السياسي والاجتماعي والتاريخي للنظام السياسي القائم ، وكدا طبيعة  العلاقة بين الحاكمين  والمحكومين  داخله ،من خلال وظيفة  السلطة (الشرعنة) و صناعة القرار السياسي داخله.

ولا شك أن عملية صناعة القرار في أي دولة تخضع لعوامل ومؤثرات ومراحل لا تخلو من  تداخلات معقدة ومتواصلة تحيط بها ،بدءا بالمراحل الأولى لتحديد اطر ومؤسسات القرار وأهدافه، وتستمر طوال فترة الإعداد والتحضير له، وتتابع طريقة ترجمته على ارض الواقع ،وتسعى إلى المشاركة في آلية تنفيذه والاستفادة من نتائجه بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما إن  عملية صنع القرار السياسي  ترتبط بالأهداف العامة أو الخاصة للدولة من خلال تحويلها إلى مواقف معلنة وقرارات محددة ،تنعكس على شكل سلوكيات واقعية أو برامج تطبيقية تمارسها الأجهزة التنفيذية للدولة ، ودلك بحسب تركيبة النظام السياسي والمؤسسات الدستورية المخولة صنع القرار لكل دولة على حدة،بحيث قد تتفاوت داخل الدولة الواحدة إجراءات عملية صنع القرار تبعا للقنوات التي تمر من خلالها آلية تحديد أهداف القرار وصياغة دوافعه وإخراجه النهائي وسط مشاركة وتفاعل مع القوى السياسية والاجتماعية في سياق عملية التأثير في شكل القرار وماهيته.

فالتحول السياسي الذي عرفه المغرب خصوصا مع بداية التسعينيات في سياق تبلور المشهد السياسي من خلال تنامي دور المجتمع المدني وحدث انتقال قوى المعارضة إلى  التدبير الحكومي في إطار صفقة التوافق السياسي من خلال التصويت  بنعم على دستور 1996( باستثناء منظمة العمل الديمقراطي) والدخول في  تجربة التناوب التوافقي مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي ، وظهور متغير سياسي جديد متمثل في الحركات الإسلامية وانخراط مكون منها في العمل السياسي ، ناهيك عن حدث انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس بعد وفاة الملك الحسن الثاني والحديث عن مفهوم جديد للسلطة،قد ساهم بدور مهم وكبير في التأثير في عملية صناعة القرار وتحديد ماهيته ومنهجية اشتغاله.

لدلك جاءت هده الدراسة لتسلط الضوء على مؤسسات صنع القرار السياسي في المغرب و قياس درجة تأثيرها  ومشاركتها فيه ومدى تفاعل  القوى المؤثرة في المجتمع المغربي معها سلبا أو إيجابا، مع محاولة قياس حركة هدا الأخير في اتجاه تفاعله مع  متطلبات التغيير وخطاب الانتقال، ومدى ملائمة تلك الحركة مع الحاجة إلى تطوير عملية صنع القرار السياسي في النظام السياسي المغربي ، في  استحضار لمختلف المرجعيات التاريخية والثقافية والرمزية التي يتأسس عليها وجود المجتمع المغربي ،بالإضافة إلى محاولة تحديد نمط السلطة الذي طغى على النظام السياسي المغربي خاصة في فترة حكم الملك محمد السادس.

أهميةالموضوع

حسبنا ونحن بصدد إثارة موضوع القرار السياسي ومعاينة مختلف مراحله والعناصر المتدخلة في صناعته وصياغته، أن اخترنا النظام السياسي المغربي كنموذج للدراسة والفهم والتطبيق، لعدة دوافع هي كالآتي:

  • الدافع علمي :

هو محاولة متواضعة في سبيل نقل النقاش السياسي الجاري  في المغرب الراهن  من حالة الانفعالية والانتظاربة والتردد إلى حالة العلمية والفاعلية في سياق بناء المعرفة السياسية على أساس علمي ومنهجي.

  • الدافع سياسي :

وهو رد فعل قوي لطالما استفزني اتجاه خطابات تحصر الممارسة السياسية في المغرب في شخص الملك أو المخزن أو غير ذلك …في لحظة وحالة من الاختزالية والتسطيح للوعي السياسي المغربي،  وإثارة  السؤال الحاضر / الغائب بشأن من ؟ وكيف يصنع القرار السياسي بالمغرب ؟

خصوصاً وأن ما وصل إليه المغرب من تراجع خطير في عدة مستويات ( العزوف الانتخابي والسياسي، أزمة المشهد الحزبي ،  الفقر والمديونية، العنف السياسي…) يستدعي منا ضرورة استنطاق القلم واستثارة العقل السياسي المغربي في اتجاه البحث والتقييم والتقويم لحصيلة وواقع السياسات العمومية بالمغرب، وإعادة ترتيب أجندتها وفق مفاهيم الجودة والحكامة الجيدة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إشكالية الموضوع:

تبرز إشكالية هدا الموضوع في ثلاث مستويين أساسيين نعتبرها مداخل لإثارة وتناول مبحث صناعة القرار السياسي بالمغرب وتتحدد في:

الإشكالية المركزية :

  • مستوى تفسير الاستقرار السياسي او عدمه لبعض الأنظمة السياسية لدول العالم الثالث(المغرب نموذجا) من خلال اعتماد مقترب القرار السياسي، بحيث كيف نفسر حالة اللاتوازن واللااستقرار التي يعيشها النسق السياسي المغربي الراهن ؟ والى أي حد يمكن القول بصلاحية المقترب القراري في فهم وتحليل وتصنيف نموذج النظام السياسي المغربي ونمط السلطة داخله؟

الاشكاليات الفرعية

  • مستوى التحديد الوصفي لماهية القرار السياسي المغربي وفهم بنية اشتغاله ومختلف القيم و المؤسسات المتدخلة في صناعته ، وقياس مدى فاعليتها وتفاعلها ونسقيها ؟
  • مستوى تحديد وظيفة القرار السياسي المغربي وتقييم أدائه من خلال استدعاء بعض نماذجه التطبيقية والإجابة على سؤال الفعالية السياسية والإستراتيجية فيه؟

منهج الدراسة المعتمد:

وللإلمام بهذه الإشكاليات، تبرز أهمية المنهج بما هو صيرورة وكيفية للتتبع من أجل الكشف عن حقيقة أو فرضية علمية معينة. أي مجموع الخطوات التي على الباحث إتباعها بغية البرهنة عليها، ومن المؤكد أن اختلاف المنهج المتبع في التحليل يؤدي إلى اختلاف النتائج والحلول، نظرا لتداخل جوانب الموضوع بتداخل الحقول المعرفية التي ينتمي إليها .

مدخل السوسيولوجيا  السياسية:

اذا كان علم القانون الدستوري  بالنظر إلى المقترب الوظيفي يهتم بدراسة قوانين السلطة ومؤسساتها وما يجب أن تكون عليه الدولة في نشاطها السياسي والدستوري ،وان علم السياسة يهتم بدراسة السلطة  السياسية كما هي موجودة وممارسة في الواقع [5]، فان علم الاجتماع السياسي يهتم بدراسة الظواهر والنظم السياسية في ضوء البناء الاجتماعي والثقافة السائدة في المجتمع ، وهو يسعى لدراسة واقع الأحوال والظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها على الأنساق السياسية وبالتالي فهو يتمركز في مجالات التأثير القائمة بين المجتمع وبين الحكم ، وبتعبير أخر فهو يدرس البعد السياسي للظاهرة الاجتماعية ، والبعد الاجتماعي للظاهرة السياسية[6]، والحالة إننا أمام النموذج المغربي الذي يستفرد بخصوصية  مفرطة في البنيات والأسس والقيم المشكلة لنسقه السياسي ،  تصعب معها كل محاولة للدراسة والتصنيف من زاوية مقاربة  أحادية المنهج ، إما باعتماد  على علم السياسة أو على علم القانون الدستوري أو غيرهما ، حيث تبقى قاصرة عن فهم واستيعاب نمط السلطة وطبيعة اشتغالها .

و توظيفنا لمنهج السوسيولوجيا السياسية في دراسة النظام السياسي المغربي من خلال المقترب القراري(القرار السياسي)  ينطلق من الأدبيات الكثيفة التي تناولت بالدرس  والتحليل وتنوعت ما بين مقترب السوسيولوجيا الاستعمارية [7] وعلم السياسة الانكلوساكسوني[8] ومختلف الأعمال التي خلصت الى وجود علاقة طردية وجدلية بين السلطة السياسية بمختلف بنياتها و مؤسساتها وبين عمق المجتمع المغربي ذو الطبيعة الانقسامية[9] بحضور كافة أبعاده  وتمثلانه الثقافية والتاريخية والرمزية والدينية من خلال إثارة تجاذبات لهده العلاقة في ثنائيات جدلية : السياسي والديني ،المقدس والمدنس،الزاوية والحزب، التقليد والحداثة ،الشيخ والمريد، ومحاولة توظيفها من اجل فهم بنية ونسق اشتغال النظام السياسي من خلال اعتماد مقترب القرار السياسي ، بالإضافة إلى الاستعانة ببعض أدوات التحليل والمناهج التالية :

كالمنهج الوصفي  من حيث فهم وإدراك النسق السياسي بمختلف مكوناته و الذي تتم فيه صناعة القرار السياسي المغربي وتحديد مرجعية القيم والوسائل المستخدمة فيه .

و المنهج الوظيفي من خلال الوقوف عند حصيلة تدبير القرار السياسي وتقييم أدائه خصوصا في مرحلة حكم الملك عهد محمد السادس.

والمنهج النسقي  الذي سنقيس به جانب التفاعل بين مكونات النسق السياسي المغربي.

خطة البحث :

وقد قسمنا هذا الموضوع إلى ثلاثة محاور أساسية:

  • فصل تمهيدي: خصصناه للإحاطة بمفهوم القرار السياسي على المستوى النظري، خصائصه ومختلف تصنيفاته .
  • القسم الأول: مؤسسات صناعة القرار السياسي المغربي من خلال اكتشاف مختلف العناصر المتدخلة في صناعة القرار السياسي المغربي.
  • القسم الثاني: تجليات القرار السياسي المغربي من خلال الوقوف عند بعض أمثلة القرار السياسي في عهد الملك محمد السادس.

التصميم:

فصل تمهيدي: التحديد  النظري للقرار السياسي

المبحث الأول:ماهية القرار السياسي

المطلب الأول:مفهوم القرار السياسي

الفرع الأول: في تعريف القرار

الفرع الثاني: نظريات صنع القرار السياسي

المطلب  الثاني: القرار السياسي وبعض المفاهيم المشابهة له

الفرع الاول: الفرق بين القرار السياسي والقرار الإداري

الفرع الثاني: السلطة السياسية و القرار السياسي

الفرع الثالث: القرار السياسي والسياسة العامة

المبحث الثاني   : خصائص وأشكال القرار السياسي

المطلب الأول: خصائص القرار:

المطلب الثاني: أشكال القرار:

القسم الأول:  القرار السياسي بالمغرب : مقاربة مؤسساتية

الفصل الأول: المؤسسات الرسمية: الفاعلون الأصليون

المبحث الأول: المجال الملكي

المطلب الأول: الملك: الفاعل المركزي

المطلب الثاني: مستشاري الملك. حكومة الظل

المبحث الثاني: المجال الحكومي

المطلب الأول: الوزير الأول

المطلب الثاني: الوزراء

– الفصل الثاني: المؤسسات غير الرسمية: الفاعلون المشاركون

المبحث الأول: الفاعل الداخلي. الحركات الاجتماعية نموذجا

المطلب الأول: الحركة الحقوقية

المطلب الثاني: الحركة الإسلامية

المبحث الثاني: الفاعل الخارجي

المطلب الأول: المؤسسات المالية الدولية

المطلب الثاني: الدول الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا نموذجا

خاتمة القسم الأول.

القسم الثاني : تجليات القرار السياسي المغربي.

الفصل الأول: نماذج القرار السياسي المغلق.

المبحث الأول: قرار تعيين إدريس جطو وزيراً أول.

المطلب الأول: السياق والتفاعلات

المطلب الثاني: فرضيات الرهان السياسي

المبحث الثاني: قرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

المطلب الأول: السياق السياسي والاجتماعي

المطلب الثاني:رهان المشروعية الاجتماعية

الفصل الثاني: نماذج القرار السياسي المفتوح

المبحث الأول: قانون مدونة الأسرة.

المطلب الأول:  قضية المرأة: الصراع الإيديولوجي والسياسي

المطلب الثاني: رهان تكريس التحكيم الملكي

المبحث الثاني: قانون الأحزاب الجديد.

المطلب الأول: أزمة المشهد الحزبي بالمغرب

المطلب الثاني:عقلنة الفعل الحزبي ورهان الحكامة

خاتمة القسم الثاني

خاتمة عامة  : خلاصات واستنتاجات استشرافية.


[1] – Nicos Poulantaz ,pouvoir politique et classe sociales de l’etat capitaliste,Maspero, paris ,1982 p : 239.

[2] – Max weber,  économie et société , plon, paris, 1971 T.1, p : 57.

[3] – selon weber , le pouvoir (marchaff) se distingue de la puissance (macht) du fait que le premier jouit d’une incapacité d’obtenir l’obéissance des sujets  qui ne repose pas exclusivement sur la force cota sergio, Elément d’une phénoménologie de la légitimité dans l’idée de la légitimité, ouvrage collectif –puf-1er édition 1967 – p : 63.

[4] – نظرية الأنماط الثلاثة للمشروعية لماكس فيبر.(العقلانية والتقليدية والكاريزماتية).

– J.P.Cot et J.P.Mounier , pour une sociologie politique , Tome 1 ed .du seuil.

      Paris 1974 p : 237.

[5]–  اجمعت ابحاث كل من” لاسويل” و”دال”في الولايات المتحدة ، و” دوفرجي” و”رايموند أرون” و”جورج بيردو” في فرنسا ، على  ان السياسة هي ممارسة السلطة ، وان علم السياسة هو البحث العلمي في السلطة السياسية او الحكم السياسي او القيادة السياسية، راجع هنا :

عبد اللطيف اكنوش ، السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الامس واليوم، مكتبة بروفانس

الدار البيضاء 1988.

– ابراهيم ابراش ” علم الاجتماع السياسي- دار الشروق 1998 ص 50 الى ص 75.[6]

[7]  – محمد هرورو –” علم الاجتماع السياسي والحقل الكولونيالي ” مجلة ابحاث عدد 9-10- شتاء 1986 ص : 3 . وانظر كدلك :

– M.Houroro , michaux-bellaire et société politique au maroc : contribution a l’étude de la sociologie politique coloniale .Mémoire de d.E.S. Faculté de droit de Rabat texte inédit ,1985.

– M.Berdouzi. Robert montagne et les structures politiques du maroc précolonial, D.E.S, Faculté de droit, texte inédit 1981.

– A.Adnaoui.contribution a l’étude de la sociologie politique de Jaques Berque D.E.S ,Faculté de droit de casablanca ,texte inédit 1987.

[8]– محمد البوزيدي :” التغيير السياسي : ملاحظات حول مقتربات التحليل الانكلوساكسوني” المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد ، عدد2 يونيو 1977 الرباط ص : 131.

[9]– عبد اللطيف اكنوش : ” السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الامس واليوم ، نفي المرجع ص : 18-37.

لتحميل الرسالة اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى