النموذج التنموي الجديد و رهانات المستقبلية
من إعداد : مراد علوي طالب باحث في القانون العام و العلوم السياسية برحاب كلية
العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال ـ جامعة محمد الخامس الرباط ،
و أيضا فاعل جمعوي و حقوقي .
مقدمة :
في ظل التغيرات الإجتماعية الإقتصادية و السياسية التي يعرفها النسق المجتمعي المغربي، تم اعتماد الجهوية المتقدمة كإطار عام من أجل تحقيق العدالة المجالية من خلال إيجاد آليات خلق الثروة و تحقيق التنمية المستدامة، و بالتالي توزيع عادل لثمار التنمية بين جهات المملكة .
وجاء في الرسالة الملكية إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى “كرانس مونتانا” ، التي احتضنتها الداخلة في مارس 2018 ، ” إن الجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإدارة قوية على تجديد بنيات الدولة و تحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية، و من تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع ” و من ثم فقد جرى اختيار الجهوية المتقدمة لتكون محور النموذج التنموي الإقتصادي المغربي .
لقد قامت بلادنا بتشخيص شمولي لوضعيتها التنموية ورصد مؤهلاتها و التحديات التي تواجهها و كذا الوعود التي بالإمكان تقديمها ، و ذلك قبل حدوث الأزمة الصحية العالمية و التي ألقت بظلالها على الدول المتقدمة و النامية على حد سواء . لقد أبان المغرب عن فهم عميق لللأزمة الحالية ، باعتبارها ليست مجرد أزمة عابرة ، بل لكونها تؤشر على تحولات هيكلية عميقة لها انعكاسات على كافة المستويات الترابية و مجالات السيادة الوطنية على المستوى الإقتصادي ، الغذائي ، الطاقي أو الرقمي . لقد حان الوقت ،
كما جرت العادة في تاريخ المملكة العريق و المتواصل ، لتجديد الميثاق الوطني ، ميثاق يضمن في نفس الان الإنصاف و الحرية ، الحماية و التمكين ، الابتكار و التجذر ، التعددية و الوحدة ، وذلك خدمة لطموح تنموي جديد . هذا الميثاق ، الذي يشكل التزاما معنويا و سياسيا ورمزيا قويا أمام جلالة الملك و أمام الأمة برمتها ، بإمكانه أن يشكل محطة تاريخية جديدة لبلادنا .
عند تحليلينا للواقع و معرفة مدى بلوغ الأهداف المتوخاة من تقسيم المغرب إلى جهات ، يتضح جليا أن الجزء الأكبر من التنمية المستدامة ، كما كان يرادلها أن تحقق ، لم تتجسد في العدالة الإجتماعية ، بل زادت الفوارق و شهد النسق الإجتماعي مجموعة من الأزمات و الاحتقانات ، مما تطلب ضرورة إعادة النظر في ركائز خلق التنمية و بلورة رؤية شمولية تتمكن من إعطاء نفس جديد للتنمية من أجل تجاوز مكامن الأخطاء و الضعف في تلبية الحاجيات ذات البعد المجالي ، الذي يرتكز بالأساس على العدالة المجالية .
انطلاقا مما تم ذكره ، نثير التساؤلات التالية : لماذا عجز النموذج التنموي الحالي في تحقيق التنمية المجالية المستدامة ؟ و أي بديل عن النموذج التنموي الحالي يمكن اعتماده من أجل تجاوز الأزمات و الاحتقانات ؟ و كيف يمكن لهذا الأخير أن يرسي المبادئ الدستورية من خلال إقرار ربط المسؤولية بالمحاسبة لإعادة الثقة بين المؤسسات و مختلف مكونات المجتمع المغربي ؟
المبحث الأول : النموذج التنموي الجديد بالمغرب :
في هذا المبحث سنتطرق إلى المفاهيم المتعددة للنموذج التنموي الجديد بحيث سنعالج فيهمطلبين يتضمنان العناصر التالية :
- النموذج التنموي الجديد .
- المتدخلين في النموذج التنموي الجديد .
المطلب الأول : النموذج التنموي بالمغرب :
سنتناول في هذا المطلب التعريفات و محاولة تقريب مفهوم النموذج التنموي الجديد بالمغرب ، بحيث سنعرفه من منظور الإقتصادي أيضا .
الفقرة الأولى : محاولة تقريب مفهوم النموذج التنموي :
ومن أجل تقريب المفهوم أكثر ، لابد من الجزم بداية بأن ما يعرفه المغرب حاليا ، ليس نموذجا تنمويا بالمعنى الذي يصبو إليه المغرب ، و أن التدبير في الحالة المغربية لا يعدو أن نسميه ( نموذجا لتدبير عمومي للشأن العام ) ، و هذا النموذج من التدبير غير ثابت ، إذا يعتمده المغرب بحسب المعطيات الإقتصادية و الإجتماعية التي تحدث كل سنة ، و تتحكم فيه المتغيرات المناخية بشكل كبير بحيث يظهر أثر سنويا على النمو الاقتصادي ، بالتالي يمكن أن نقول أن المغرب كان يتدبر أحواله الاقتصادية و التنموية ، بعيدا عن المفهوم الحقيقي للنموذج التنموي الذي ينتظره المغاربة بشغف كبير.
أما فيما يخص مجال الدراسات الإقتصادية ، ليس هناك مفهوم محدد أو تعريف دقيق و متفق حوله للنموذج التنموي . و جميع النماذج التنموية المعمول بها دوليا أو جلها يتم بناؤها وفق وضعية كل دولة و ما تتوفر عليه من الموارد البشرية و الاقتصادية و ما راكمته من المكتسبات الاجتماعية و ماهية القواعد و الثوابت التي تبني عليها سياستها العمومية .
الفقرة الثانية : النموذج التنموي الحالي و مؤشرات المحدودية :
قام البنك الدولي بإنجاز تقرير عنوانه : ” المغرب في أفق 2040 ” حيث قدم تصور فيه بعض سمات فشل و عدم نجاعة النموذج التنموي الحالي و أوصى بالدعوة إلى اعتماد نموذج تنموي أكثر فعالية ، حيث ان معدل النمو حسب تقرير البنك الدولي لا يتعدى نسبة 4.5 بالمائة بالمغرب و هو غير كاف لتقليص معدل البطالة ، إضافة إلى أن معدل وفيات الرضع سنة 2015 بلغ حوالي 25 وفاة من كل 1000 حالة ولادة ، و هو رقم سجل في أوروبا سنة 1960 ، و أن النموذج التنموي الحالي قائم على أساسا على الاستهلاك الداخلي و الذي مهما ارتفع لن يبلغ سوى 40 بالمائة في أفق 2040 .
ناهيك عن وضع اقتصادي مطبوع بالفتور ، والإنكماش طيلة السنوات العشر الأخيرة ، مما انعكس سلبا على التشغيل و الإدماج الاقتصادي للسكان ، مما دفع الساكنة للخروج و الاحتجاج في مناطق مختلفة من المغرب .
و في نفس المنحى جاء أيضا تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي الصادر بتاريخ شتنبر 2018 ، و الذي نبه إلى ضعف مستوى الاستثمار حيث جدد المجلس الدعوة إلى ضرورة النهوض بهذا المجال لما له من أهمية في غياب سياسة ناجعة في مجال التصنيع الذي تعتبر مساهمته في الناتج الداخلي الخام جد ضئيلة .
نفس المجلس دعا لخلق و تعزيز ما سماه بالحكامة المؤسساتية و محاربة اقتصاد الريع ، مشيرا إلى زيادة الارتفاع في معدل البطالة من 9.9 بالمائة من سنة 2016 إلى 10.2 بالمائة في نهاية سنة 2017 .
هذه التقارير و غيرها جاء ذكرها في الخطاب الملكي مع الإطراء على بعضها :
” بادرت مشكورة بعض المؤسسات و الهيئات المعنية و عدد من الفعاليات
و الكفاءات الوطنية بإعداد بعض المساهمات و الدراسات ” .
المطلب الثاني : المتدخلين في النموذج التنموي الجديد :
الفقرة الأولى : بلورة نموذج تنموي جديد برعاية ملكية :
لطالما كان إعداد نموذج تنموي مغربي ناجح غاية الملك الأولى ، حيث أن محاولات خلق نموذج تنموي مغربي تمتد لسنة 2002 ، حينما حاول المغرب تبني بعض الاختيارات الاقتصادية و الخطط و الرؤى التنموية بمثابة نموذج تنموي ، و كان اعتمادها تلك الاونة يعتبر واحدا من أهم التغيرات التي عرفها المغرب و التي اعتبرت مكسبا ميز الحالة المغربية عن مجموعة من الدول إقليميا و كانت أملا و استراتجية للوصول لبعض أشكال التنمية ، قبل أن تطفؤ نتائجها المحدودة و الغير مجدية ، معلنة عن استمرار سؤال البحث عن الوصفة التنموية الصالحة للحالة المغربية .
و لعل الوثيقة الدستورية التي عدلت خلال 27 يوليوز 2011 ، لا تذهب بعيدا عن هذا الهدف ، و لذلك لقيت استحسانا و تأييدا كبيرين من قبل الفاعلين و المواطنين ، التي علقت الأمال الكبرى لتحسين الظروف السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية .
ثم بعد ذلك سنة 2016 عندما تم تنظيم الملتقى الدولي الذي منح الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حول موضوع : ” النموذج التنموي المغربي للدخول النهائي ضمن الدول الصاعدة ” .
بعده ببضعة أشهر اكد جلالته الملك صراحة سنة 2017 على ضرورة إنجاز نموذج تنموي وفقل لمعايير محددة و ذلك بمناسبة خطابه في افتتاح الدورة التشريعية بتاريخ 13 أكتوبر 2017 .
مرت اليوم خمس سنوات على هذا الخطاب و لا زالت المشاريع هي المشاريع و الانتظارات هي الانتظارات ، بينما المؤشرات تتوالى للغنذار باقتراب الحالة المغربية من الوضع المقلق .
ولأن الطبيعة لا تحتمل الفراغ ، و من لا يتحرك تتجاوزه الأحداث لا محالة ، فقد أقدام الملك على خطوة هي أقرب إلى سحب الثقة من الحكومة و الفعاليات الحزبية ، على الأقل في موضوع اقتراح النموذج التنموي الذي يصلح لمغرب الحاضر و المستقبل ، و يبادر بإنشاء لجنة من الكفاءات يكلفها بصياغة مضامين نموذج تنموي جديد في الايام المقبلة ،
ما جعل المغرب اليوم في حالة الانتظار و الترقب لمعرفة ما الذي سيجود به هذا النموذج المرتقب من تغييرات ، أملا في غذ أفضل .
الفقرة الثانية : الاحزاب السياسية و المساهمة في النموذج التنموي الجديد :
كما وجه الملك الدعوة لرئيس الحكومة المغربية ، كانت دعوة جلالته أيضا لللأحزاب السياسية صريحة قصد المساهمة في اقتراح الصيغ التنموية المأمولة ، و المساهمة في صياغة النموذج التنموي لائق بالحالة في المغرب .
و في ذات السياق يجب على مختلف الفاعلين و أخص بالذكر الأحزاب السياسية و النقابات و المجتمع المدني للبلاد إلى تكثيف الجهود أكثر فأكثر قصد بلورة لقاءات وطنية و دولية أخرى ترسم فيه معالم النموذج التنموي الجديد .
استجابة لهذه الدعوة ، اكتفت بعض الأحزاب السياسية بتمجيد الوزارات و القطاعات التي دبرتها في مرحلة من المراحل ، مع إلقاء للائمة على القطاعات و الوزارات التي دبرتها أحزاب أخرى ، بينما قامت أخرى بإنتاج ما يشبه المذكرات المطلبية فيها لائحة المعيقات و مكامن الأزمة مطالبة بالإسراع بإصلاحها دون أن تذكرالخطوات الإجرائية التي يمكن اعتمادها لتجاوز هذا الوضع ، مع استفحال النزعة الضيقة الهادفة إلى تحقيق المكاسب السياسية عوض التفكير الجماعي في وضع تصور تنموي قابل للتطبيق ، دون الاستهانة بمحاولات بعض الأحزاب التي حاولت ملامسة الموضوع و تعاملت معه بالجدية المطلوبة على الأقل ، على الأقل من منظورها الخاص و المتواضع .
حيث قدم حزب الاتحاد الاشتراكي : دعيا إلى ضرورة إرساء نموذج تنموي مندمج ناجع يقوم على العدالة الاجتماعية و المجالية و الانصاف و التضامن بين مختلف الفئات المجتمعية ، وفي إحدى ابرامج المتلفزة تكلم أحد أعضاء المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن كون المغرب يحتاج لنموذج تنموي يحمل في طياته جاذبية استثمارية ، وعدالة اجتماعية بهدف خلق تنمية مستدامة ، و عدد ركائز هذا النموذج في خمس أعمدة أساسية حصرها في :
المؤسسات الاقتصادية ، و المسألة الاجتماعية ، و التعبئة الاجتماعية ، و المسألة الثقافية ، ثم الرفع من نوعية الأداء و خلق تدبير عمومي ناجع و فعال .
في حين حزب التقدم و الإشتراكية أيضا من الأحزاب التي اعتمدت العدد خمسة كركائز في تصوره للتنمية ، حيث صرح أمينه العام في ندوة نظمت من طرف وزارة الاقتصاد و المالية بقصر المؤتمرات بصخيرات بما يلي :
” نحن اليوم بصدد صياغة نموذج تنموي مرحلي يرفع من قدرات هذا الوطن و يؤهله من أجل مواجهة تحديات الحاضر و المستقبل . ” حيث حصر تصورات حزبه في خمس ركائز أساسية من بينها :
أولا : الإنسان في قلب التنمية اعتبارا في نظر حزبه لكون الدول القائمة على العدالة الاجتماعية هي التي تحقق أعلى نسبة نمو .
ثانيا : الكرامة و العمل على محاربة الفوارق ، عن طريق ضمان العيش الكريم للمواطنين و النهوض بالمناطق الجبلية و القروية .
ثالثا : التكامل بين الدولة و القطاع الخاص ، نظرا لأن الإقتصاد وحده الكفيل بتحقيق النمو بشكل أسرع .
رابعا : بناء دولة الحق و القانون و ذلك عبر تكريس لمبدأي الشفافية و التنافس الشريف .
خامسا : الحداثة ، عن طريق الانفتاح على الثقافة الكونية و اعتماد النقد و التحليل .
أما بخصوص حزب الحركة الشعبية اعتبر من خلال بيان أصدره في الموضوع ، أن النموذج التنموي الحالي حقق نجاحات مع تسجيله لبعض النواقص و أكد على كون النموذج الحالي ليس فشلا كليا ، مبرزا نشوء المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، و أشاد بما قدمته للمغرب خلال مدة عشر سنوات الأخيرة ، غير أنه لم يؤكد نجاحها تماما بل دعى للتوسيع في مجالها الجغرافي للتدخل في العالم القروي و اعتبر ان الخصاص فيه لازال قائما رغم الجهود المبذولة .
أما على مستوى حزب العدالة و التنمية الذي كان يراس الحكومة سابقة ، بسط رؤيته خلال أشغال الملتقى الذي نظمته جمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية بتعاون مع وزارة الغقتصاد و المالية ، حيث اعتبر النموذج التنموي ضرورة ملحة ، قبل أن يعمد هو الاخر إلى حصر التنمية وفق النموذج المقترح من منظوره الحزبي في ثلاث محددات كالتالي :
أولها الدستور باعتباره جاء نتيجة و لعصارة لحراك ، شعبي ، شبابي .
و ثانيها وجوب الاشتغال على أساس ديمقراطي تطبعه الارادة الشعبية و المنافسة الشريفة في الممارسات الإقتصادية و التجارية و توسيع أبواب انخراط الشباب في سوق الشغل كهدف من الأهداف التي ينبغي العمل عليها للوصول للتنمية الحقيقية …
أما المحدد أو المستوى الثالث حسب السيد الأزمي فهو حقوق الإنسان و توسيع الحريات المواطنين ، باعتبارهما ركيزة الاساسية لخلق توازن مجتمعي .
و منه سننتقل إلى المبحث الثاني الذي خصصنه إلى : النموذج التنموي الجديد مغر ب الغذ
المبحث الثاني : النموذج التنموي الجديد ـ مغرب الغذ :
المطلب الأول : طموحنا من أجل المغرب في أفق سنة 2035 :
إن اتساع مجال الاختصاص الإدارة خلال الحقب الأخيرة لاعتبارها تمثل السلطة العامة أدى إلى وضع تنظيمات أكثر صرامة و مضاعفة عدد الأليات الإدارية و تراكم التعقيدات و المسالك بهدف دعم مراقبة الدولة و تنظيم نشاط الاقتصادي و حماية المواطن و ضمان استمرار أداء و نضر لكون المساطر الإدارية تعتبر أدوات لتنفيذ القوانين و التنظيمات التي يجب أن تكون خالية من كل تعقيد .
الفقرة الأولى : مغرب الغذ :
الطموح المأمول هو عبارة عن اقتراح ذي قيمة شاملة يبين و يحدد معنى و مستوى التنمية المنشودة في أفق 2035 ، و يجسد هذا الطموح دور البوصلة التي تمكن من توجيه جميع القوى الحية للأمة و تشكل الإطار العام الذي تجتمع حوله ، و حتى يتسم بالمصداقية ، يجب أن يكون طموح التنمية قويا و معقولا و قابلا للإنجازعلى أرض الواقع ، هدفه الأساسي التعبئة و منح كل المغربيات و المغاربة أملا في المستقبل .
ينسجم هذا الطموح مع الإختيارات الأساسية للأمة و ثوابتها ، فضلا عن القيم المكونة للهوية الوطنية ، كما يعكس التطلعات الرئيسية للمغاربة ، سواء فيما يتعلق بازدهارهم ورفاهم كأشخاص أو فيما يخص ارتباطهم بالأمة و التزامهم حيالها بالإضافة إلى عزمهم على المساهمة في تنمية البلاد بكل روح مواطنة ، و يرتكز هذا الطموح أيضا على اختيار المملكة رمز للانفتاح من خلال وضع مشروعنا الجماعي أمام أعين المنتظم الدولي ، و يمكن تحديد طموحنا من أجل المغرب كالتالي :
يضم هذا الطموح إختيارات توجه المغلرب نحو المستقبل ، و هي متمثلة في :
- التشبت بالاختيار الديمقراطي و دولة الحق و القانون .
- تثمين الرأسمال البشري و قدرات المواطنات و المواطنين كرافعة أولى لضمان تكافؤ الفرص و الادماج الإيجابي و تفعيل الرفاه .
- التعلق بكل ما يشكل خصوصية المملكة ، عمقها التاريخي ، هويتها الوطنية الغنية بروافدها و قيمتها الثقافية و الدينية .
- التشبت بالتنوع و بالمساواة بين الرجل و المرأة و بتكريس مكانة دور المرأة في الإقتصاد و داخل المجتمع .
- نمط إدماجي في خلق القيمة يثمن كافة الطاقات و يضمن التوزيع المنصف للثروة و ينتقل ببلادنا إلى مصاف القوى الصاعدة بشكل كامل .
- نمط لخلق القيمة ، هاجسه المحافظة على البيئة و الموارد الطبيعية .
- و أخيرا ، التشبت بمغرب منفتح على العالم و يساهم بشكل فعلي في رفاه مواطنيه و في التقدم العالمي .
و في إطار هذا الطموح يحظى العنصر البشري بمكانة مركزية مع تعبئة كافة الطاقات بغية إرساء مشروع جماعي في خدمة تنمية البلاد ، و يمكن تلخيص ذلك بصيغة موجزة ززاضحة و معبئة .
” المغرب قوة رائدة بفضل قدرات مواطنيه و في خدمة رفاههم ” .
الفقرة الثانية : الأهداف التنموية للنموذج التنموي :
من أجل بلوغ هذا الطموح، يتعين على المغرب رفع العديد من التحديات والقيام بتدارك الوضع الحالي عبر إحراز تقدم نوعي في مجالات يطبعها عجز هام، يمكن أن تشكل عائقا أمام التنمية إذا لم يتم الارتقاء بها بشكل ملموس، كما هو الشأن بالنسبة لجودة التعليم ومشاركة النساء والمحافظة على الماء، على سبيل المثال. كما يتعين أيضا استغلال جميع الفرص السانحة للمغرب بكل جرأة لتسريع وتيرة التنمية، والرهان على المستقبل وعلى أهداف تكرس تميز المغرب في مجالات استراتيجية وحاملة للتغيير .
يتطلب تحقيق هذا الطموح بلوغ خمسة أهداف تنموية متداخلة ومتكاملة، بشكل موازٍ، تتجلى في تحقيق الرخاء والتمكين والإدماج والاستدامة والريادة الجهوية في ميادين محددة من خلال رهانات مستقبلية جريئة. ونورد فيما يلي، موجزا للأهداف الخمسة :
•مغرب مزدهر يخلق الثروات وفرص عمل جيدة في مستوى طاقاته: إن طموح تحسين
مستوى وجودة المعيشة لفائدة جميع المواطنين لن يتحقق إلا من خال الرفع الملحوظ لقدرة
الباد على خلق القيمة المضافة وفرص شغل ذات جودة للجميع والتوزيع المنصف لثمار التنمية. وترتكز دينامية خلق القيمة وفرص الشغل على اقتصاد حيوي، مقاولاتي، متنوع، منتج ومبتكر وعلى نسيج اقتصادي، تنافسي وقادر على امتصاص الأزمات ويستفيد من المزايا التنافسية العديدة لبلادنا ومن ثرواتها المادية واللامادية في جميع المناطق .
•مغرب الكفاءات، حيث يتوفر جميع المواطنين على مؤهات ويتمتعون بمستوى من الرفاه
يمكنهم من تحقيق مشاريعهم في الحياة والمساهمة في خلق القيمة المضافة: إن تحقيق
الطموح لا يمكن أن يتم إلا بواسطة رأسمال بشري ذي قدرات ومهارات عالية ، فالرأسمال البشري يعتبر محرك دينامية التنمية والإدماج وتفعيل الارتقاء الاجتماعي . كما يعتبر المحدد الرئيسي لقدرة الباد على خلق الثروات وتسريع تقاربه مع معايير الدول المتقدمة.
•مغرب دامج يوفر الفرص والحماية للجميع ويعزز الرابط الاجتماعي: يقتضي شعور المغاربة بالانتماء والانخراط في المشروع المجتمعي وترسيخ أسس وقواعد العيش المشترك، بشكل منسجم ومتناسق، اعتمادَ نموذجٍ دامج. فالمغرب مطالب بمنح الفرص للجميع ، أولا وقبل كل شيء، من خلال توفير الاستقلالية الذاتية وتنمية القدرات لكل المغاربة نساء ورجالا، وأيضا عبر تعزيز حماية الفئات الهشة. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب إدماج الجميع إياء عناية خاصة بالشباب الذين يمثلون 25 بالمائة من الساكنة ، ويعتبرون مكسبا ديمغرافيا للباد. في هذا السياق، يشكل البعد الثقافي رافعة مهيكلة لتقبل التنوع والتعدد وتعزيز الروابط بين الأوساط الإجتماعية وبين الأجيال، بالإضافة إلى خلق الثروة .
•مغرب مستدام يحرص على المحافظة على الموارد في جميع أنحاء التراب الوطني: تعتبراستدامة الموارد والمحافظة على التنوع البيولوجي من مستلزمات مواجهة التحديات والتهديدات المرتبطة بالتغيرات المناخية والنشاط البشري. فالمغرب معرض بشكل كبير لهذه المخاطر وآثارها ، لاسيما من حيث الضغوط القوية على موارده المائية واضطراب كل من الأسس الانتاجية للفلاحة والمنظومات الايكولوجية. وبالتالي، فإن رهان الاستدامة يكرس المسؤولية الجماعية إزاء الرأسمال الطبيعي والمناخ، كخيرات جماعية ، وتجاه الأجيال القادمة .
•مغرب الجرأة يسعى إلى الريادة الإقليمية في مجالات مستقبلية محددة : متشبثا بانفتاحه
على العالم وواثقا في مؤهلاته لتعزيز إشعاعه الإقليمي، يدعِّم المغرب طموحه عن طريق التميز، بتصميمه على كسب خمسة رهانات مستقبلية جريئة ستجعله، مجتمعة، قطبا اقتصاديا ومركزا للمعرفة ضمن البلدان الأكثر دينامية وجاذبية على المستوى الإقليمي والقاري. وتتمثل هذه الرهانات الخمسة فيما يلي( 1 ) التحول نحو بلد رقمي حيث تُعبأ القدرات التحويلية للتكنولوجيا الرقمية تعبئة كاملة ، ( 2 ) الارتقاء كمركز جهوي في ميدان التعليم العالي والبحث والابتكار، ( 3 ) كسب الريادة الجهوية فيما يخص مجال الطاقة ذات الانبعاثات المنخفضة من الكاربون، ( 4 ) إكتساب مركز مرجعي كقطب مالي على المستوى القاري ، ( 5 ) ” جعل علامة صنع في المغرب” علامة للجودة والتنافسية والاستدامة لتسريع الاندماج في سلاسل القيمة العالمية والإقليمية. وتشكل هذه الميادين الجريئة والتحولية، التي ترتكز على المزايا التنافسية للمملكة وإمكاناتها، نقط التقارب والتلاقي في المصالح بين المملكة وشركائها الرئيسيين بالخارج، التي من شأنها المساهمة في تعزيز التعاون والشراكات ورفع مختلف التحديات الكامنة في النموذج التنموي الجديد بكيفية عرضانية .
تمثل المحاور الاستراتيجية الواردة في الفرع رقم III من هذا القسم التوجهات الرئيسية ذات الطابع الاستراتيجي لبلوغ الطموح الجديد وإنجاز أهداف التنمية وكسب رهانات المستقبل .
وحتى يكتسب مسلسل التنمية دفعة قوية، يقتضي الأمر الاستمرار في تعزيز المؤسسات والحرص على حسن سيرها اعتبارا لدورها كضامن لدولة الحق والقانون ولتحرير الطاقات بثقة وأمان ، وقد تم تناول هذا المحور بتفصيل في الفرع المخصص لمرجعية النموذج التنموي الجديد ولإطار ترسيخ الثقة والمسؤولية .
المطلب الثاني : المحاور الاستراتجية للتحول :
الفقرة الأولى : اقتصاد منتج قادر على قيمة مضافة و مناصب شغل مهمة :
يتوفر المغرب على مؤهات وإمكانات هامة لإنجاح إقلاعه الاقتصادي. وقد وضع المغرب خلال العقدين الأخيرين أسس هذا الإقاع من خال إصلاحات هيكلية وانفتاح اقتصادي قوي واستثمارات هامة مهمة في قطاع البنيات التحتية. ويتحتم الاستغلال المكثف لعدة مصادر هامة أساسية لخلق الثروة ، والمتمثلة في: رأسمال طبيعي هام يحتاج إلى تطوير أكبر؛ رأسمال لامادي غني يتعين تثمينه ؛ موقع جيو-استراتيجي مميز يتيح فرصا واعدة للاندماج في سلاسل القيمة العالمية ؛ وسوق داخلي يتطلب إعادة الاستقطاب والتطوير. وفي هذا الصدد، يطمح النموذج التنموي الجديد إلى أن يقوم المغرب باستغلال مجموع هذه المؤهلات ليصبح بلدا يتيح الفرص ويفسح المجال للمبادرة المقاولاتية وللابتكار.
وباستغلاله لكل هذه الامكانات، يستطيع المغرب تسريع وتيرة نموه الاقتصادي الذي يشكل
أحد الأعمدة الأساسية للنموذج التنموي الجديد. ويبدو أن تحقيق نمو اقتصادي مضطرد، توزع نتائجه بشكل أفضل، يعد أمرا ضروريا لتحسين مستوى عيش الساكنة ومنح فرص الشغل للشباب وخلق الموارد الضرورية قصد استثمارها في الرأسمال البشري وتمويل الحاجيات الاجتماعية. إلا أن الاقتصاد المغربي يواجه حاليا الصعوبة التي تلاقيها معظم الدول ذات الدخل المتوسط 24 . لذا، يطمح النموذج التنموي للخروج من هذا المأزق من خال تسريع وتيرة النمو الاقتصادي لتبلغ نسبة سنوية تفوق 6% في المتوسط. ومن شأن بلوغ هذا المستوى أن يمكن من مضاعفة الناتج الداخلي الخام للفرد في أفق سنة 2035 .
إن تحسين جودة النمو الاقتصادي أمر ضروري من أجل تنمية دامجة ومستدامة وهكذا، يجب على النمط الجديد للنمو الاقتصادي ببلادنا أن يكون أكثر نجاعة من خال الاعتماد، بشكل أكبر، على الرفع من الإنتاجية مع توزيع أمثل للاستثمار، الذي يجب أن يوجَّه إلى الأنشطة الإنتاجية، مع مساهمة أقوى للقطاع الخاص. ويجب أن يتسم هذا النمو الاقتصادي بقدرة أكبر على الصمود باعتماده على قاعدة إنتاجية أكثر تنوعا وأكثر خلقا لمناصب الشغل، لاسيما في القطاع المنظم، التي ترتكز على المؤهلات وتدعم إدماج النساء. وفي الأخير، يجب أن يتم توزيع إنتاج الثروة بشكل أكثر إنصافا بين مختلف جهات الوطن من خال استغلال كل الإمكانات الاقتصادية على مستوى كافة المجالات الترابية.
من أجل بلوغ هذا المستوى من النمو الاقتصادي، يتعين على المغرب الشروع في تفعيل
مسلسل تحول نسيجه الاقتصادي. وفي هذا الصدد، ومن أجل تطوير الاقتصاد الوطني بشكل
أكبر وجعله يقترب من بنية الاقتصادات المتقدمة، يتوجب تشجيع أربع عمليات أساسية ، وهي : تحديث النسيج الاقتصادي الحالي من خال إدماج أغلب الأنشطة في القطاع المنظم
والرفع من تنافسية هذا النسيج وإنتاجيته ؛ تنويع الاقتصاد للسماح بتطوير أنشطة اقتصادية ومهارات جديدة ؛ الرفع من مستوى القيمة المضافة المحلية؛ وأخيرا الاندماج الأكبر في الاقتصاد العالمي بهدف توجيه المقاولات المغربية نحو التصدير. وسيسمح هذا التحول الاقتصادي المنتج من تحقيق الرهان المتمثل في إشعاع علامة ” صنع في المغرب ” أنظر الإطار رقم 13 – رهانات النموذج التنموي الجديد: علامة “صنع في المغرب” :
التنويع والارتقاء بالنظام الإنتاجي ) .
تندرج دينامية القطاع الخاص في صلب أولويات النموذج التنموي الجديد. يتطلب تحقيق
التحول في عملية الإنتاج قطاعا خاصا رائدا في ميدان الأعمال والابتكار، قادرا على المجازفة واستكشاف فرص جديدة والانطاق في ولوج قطاعات وأسواق جديدة ومواجهة المنافسة الدولية. غير أن الاقتصاد المغربي يتسم بنقص على مستوى ريادة الأعمال في الأنشطة المنتجة والمبتكرة نتيجة ثقافة تدبيرية لا تشجع إلا قليا على المجازفة ومناخ للأعمال قليل الملاءمة. ومن بين الرهانات الكبرى للنموذج التنموي الجديد القدرة على إرساء مناخ يحفز على نهج توجهات اقتصادية أكثر جدوى عبر تحرير المبادرة الخاصة ووضع سياسات عمومية تشجع على الاستثمار المنتج .
كما يجب على القطاع العام الاستمرار في لعب دور أساسي في تقوية تنافسية الاقتصاد
الوطني وتحفيز المبادرة الخاصة. فوفق فلسفة ومقاربة النموذج التنموي الجديد، يتوجب على القطاع العام دعم الدينامية الاقتصادية الوطنية من خال إنتاج الخيرات الجماعية وتسهيل المبادرة الخاصة وضبط الأسواق وإعمال السياسة الماكرو-اقتصادية وتحفيز القطاعات المستقبلية.
وعلى وجه الخصوص، فإن تقوية دور المقاولات العمومية، من خال إصاح سياسة المساهمة
المالية للدولة في هذه المقاولات ، سيكون أمرا ضروريا اعتبارا لدورها المهيكل في بعض القطاعات الاستراتيجية بالنسبة لتنافسية بلادنا ولقدرتها على تنشيط بعض المنظومات
الاقتصادية القطاعية والترابية. ويجب أن يمر هذا الإصاح عبر الاستقلال المالي للمؤسسات والمقاولات العمومية وتدبيرها تدبيرا جيدا وتوضيح الوصاية التي تخضع لها وكذا الفصل بين المهام الاستراتيجية وبين مهام التدبير العملي ومهام الضبط في كل القطاعات. ويجب على الدولة أيضا، أن تجعل من الطلبيات العمومية أداة حقيقية للتنمية المنتجة وأن تحفز على بروز اقتصاد اجتماعي مهيكَل ومبتكِر باستطاعته إنتاج خدمات جماعية وخلق قيمة مضافة في عموم مناطق البلاد .
الفقرة الثانية : رأسمال بشري معززا و أكثر استعداد للمستقبل :
يشكل تعزيز الرأسمال البشري محددا حاسما لنجاح النموذج التنموي الجديد، بالنظر إلى كونه رافعة لتكافؤ الفرص، ووسيلة لبناء مجتمع يسوده القانون يكون فيه المواطنون مستقلين وقادرين على الأخذ بزمام أمورهم، ورافعة رئيسية لتنافسية بلادنا في المستقبل.
إن تقوية الرأسمال البشري أمر ضروري أيضا بالنظر إلى 1 : الانتظارات القوية للمواطنين التي أبانت عنها المشاورات التي أجرتها اللجنة، وهي الانتظارات التي وَضعت في صدارة الأولويات الحصول على تعليم ونظام صحي يستجيبان لمعايير الجودة 2 : الدينامية الديموغرافية التي تؤدي إلى ارتفاع مضطرد للطلب على الخدمات العمومية في مجالات الصحة والتعليم والتكوين ، 3 : المكانة المتزايدة للعلم والمعرفة باعتبارهما محددين أساسيين للنمو الاقتصادي، في مناخ يتسم بتسارع التحولات التكنولوجية ، التي يتطلب امتلاكها كفاءات ومؤهات جديدة. وقد أبرزت وفاقمت أزمة كوفيد- 19 مواطن الهشاشة العميقة التي تطبع السياسات العمومية المرتبطة بتنمية الرأسمال البشري لبلادنا. فقصور النظام الصحي الوطني عن امتصاص الصدمات الناتجة عن الجائحة والارتباكات العميقة التي عرفها نظام التربية والتكوين، تتطلب أجوبة هيكلية للحفاظ على هذا الرأسمال وتعزيز قدرته على التكيف مع الصدمات بمختلف أنواعها، خصوصا من خلال تقديم خدمات عمومية ملائمة .
ولهذا، تعتبر اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن تعزيز الرأسمال البشري يتطلب القيام بانعطافات ومراجعات جوهرية على مستوى السياسات العمومية في مجالات الصحة والتربية والتعليم العالي. وفي هذا الإطار، تم تحديد ثلاثة خيارات اِستراتيجية تتعلق بالميادين الرئيسية للتربية والتكوين والبحث والصحة :
- الاختيار الاستراتيجي الأول : تعليم ذو جودة للجميع .
يطمح النموذج التنموي الجديد إلى إحداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية. فالمدرسة المغربية
يجب أن تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني. كما يجب أن تصبح هذه المدرسة بوتقة لتكوين شباب متفتح يطور ذاته ويصنع مستقبل المغرب، من خال تلقينه معنى الاستقلالية والمسؤولية وأخلاقيات مطبوعة بالقيم الإنسانية الراسخة في الهوية المغربية وفكر منفتح وقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم. يتطلب تجسيد هذا الطموح تجاوز الأزمة الثلاثية الأبعاد التي يعيشها النظام التربوي المغربي: أزمة جودة التعلمات ، التي تتمثل في عدم إتقان أغلبية التلاميذ للمهارات الأساسية في القراءة والحساب واللغات، في نهاية مسارهم الدراسي؛ أزمة ثقة المغاربة إزاء المؤسسة التربوية وهيئتها التعليمية؛ أزمة في مكانة المدرسة التي لم تعد تلعب دورها في الارتقاء الاجتماعي وتشجيع تكافؤ الفرص. وقد فاقمت أزمة كوفيد- 19 عوامل الضعف هاته، بحيث ساهم توقف الدراسة خال الفترات الأولى من الحجر الصحي وضعف استعداد النظام التعليمي على التأقلم مع نمط التدريس عن بعد، في تفاقم التفاوتات فيما يخص مستوى تحصيل التلاميذ وإضعاف أداء المنظومة التعليمية بأكملها .
فبدون تحول عميق للنظام التربوي ، لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب على مستوى ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإدماج الترابي. لذلك، فإن النموذج التنموي الجديد يدعو إلى نهضة تربوية حقيقية لتحسين جودة التعليم بشكل جوهري وإعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي للمغرب .
في أفق 2035 ، يجب أن يمتلك أزيد من 90 % منالتلاميذ المهارات المدرسية الأساسية عند نهاية مرحلة التعليم الابتدائي، مقابل أقل من 30 % حاليا.
إعادة تنظيم المسار الدراسي ونظام التقييم لضمان نجاح كل متعلم. في إطار النموذج التنموي الجديد الذي يدعو إلى إدماج جميع المواطنين، يجب على المدرسة الوطنية أن تحدد طموحات عالية لكل طفل وألا تتخلى عن أي تلميذ رغم الصعوبات التي قد تعترضه. فجزء مهم من التلاميذ معرض حاليا لتراكم النواقص التي يصبح من الصعب تجاوزها في ظل تعلمات ضعيفة قد تفاقم معضلة الهدر المدرسي. ولوضع حد لهذه الوضعية، توصي اللجنة بإنشاء منظومة متكاملة للنجاح التربوي تتضمن خمسة مكونات: 1: تطوير تعليم أولي ذي جودة، مرتكز على سياسة قوية للطفولة المبكرة تعطى فيها الأولوية لتنمية شخصية الطفل، ويتوفر على مكونين يحظون بالتثمين ويستفيدون من تكوينات تتوج بشهادات ، 2: تنظيم مسار التلميذ في عدة مستويات للتعلم عبر تحديد المعارف والمهارات والسلوكيات التي يجب اكتسابها من طرف المتعلم في كل مرحلة من مساره الدراسي قبل المرور إلى المرحلة الموالية بشكل يحد من تراكم النواقص، وذلك بواسطة آلية مستقلة وموضوعية لتقييم المكتسبات المدرسية. وفي هذا الصدد ، يجدر توسيع وتعميم البرنامج الوطني لتقويم التعلمات، المنجز حاليا من خال عينة من التلاميذ من طرف الهيئة الوطنية للتقييم، ليشمل مجموع المتعلمين، 3 : وضع آلية لمحاربة الهدر المدرسي تتيح التدخل عند كل مرحلة من الحياة المدرسية للطفل لأجل تجنب تراكم فجوات التعلم والحد من مخاطر الانقطاع عن المدرسة والرفع من فرص النجاح الأكاديمي والمهني. ولأجل مضاعفة حظوظ نجاح هذه الآلية ، سيكون من المفيد وضع رهن إشارة المؤسسات التعليمية )الابتدائية والثانوية( مختصين في معالجة النقائص، خصوصا مقومي النطق ومختصين تربويين نفسيين ومساعدين بيداغوجيين، 4( تعزيز نظام التوجيه المدرسي من خلال وضع المشروع
الشخصي للتلميذ كأساس لعملية التوجيه. ويجب أن تجتمع عدة شروط لضمان نجاح هذه المبادرة، خاصة بواسطة الرفع من أعداد هيئة مستشاري التوجيه والانفتاح على العالم المهني لجعل الشباب يكتشفون المهن وفرص العمل، 5( تثمين مسار التعليم المهني بجعله مسلكا جذابا يمنح فرص عمل ملموسة في سوق الشغل. لهذه الغاية، تقترح اللجنة تحديد هدف طموح يتمثل في تمكين 20 % من تلامذة الإعدادي والثانوي من سلوك المسار المهني في أفق 2035 ، مقابل نسبة تقل عن 1% و 5% المسجلة على التوالي حاليا.
الفقرة الثالثة : فرص اإدماج الجميع و توطيد الرابط الإجتماعي :
يهدف النموذج التنموي الجديد إلى إدماج جميع المغارية، عبر دينامية لخلق الثروة تعبئ كل القوى الحية وتخلق فرصا لإدماج الجميع. ويشكل هذا التوجه قطيعة مع المقاربات والسياسات التي لا تركز على قدرة المواطنين على المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ولا تسمح بالولوج المتكافئ للفرص، مساهمة بذلك في تعميق الفوارق والتقاطب داخل المجتمع. لذلك، يطمح النموذج الجديد أيضا، إلى خلق مجتمع مفعم بالمشاركة الواسعة والحيوية ويرتكز على تكافؤ في الحقوق والفرص وعلى التضامن والتمازج والانفتاح.
ويتأتى تفعيل هذه الدينامية ، أولا ، عن طريق دعم الرأسمال البشري، العنصر الأساسي للإدماج على المدى البعيد ، بشكل يسمح بتطوير قدرات المواطنين ويحفزهم على المشاركة. ويتضمن المحور الثاني “رأسمال بشري أقوى وأفضل استعدادا للمستقبل”، الذي سبق التطرق إليه، مقترحات في هذا الاتجاه. ويهدف النموذج الجديد بالخصوص إلى ضمان تكافؤ الفرص من خال تقديم خدمات عمومية ذات جودة لجميع المغاربة ، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والنقل. ويعد التعزيز الملموس لجودة هذه الخدمات رافعة أساسية لتنشيط الحركية الاجتماعية وتقليص الفوارق والحد من التقاطب الاجتماعي وتوطيد الرابط الاجتماعي .
يتمم محور التحول، هذا، المقترحات المتعلقة بدعم الرأسمال البشري بمقترحات تهدف
إلى دعم مشاركة بعض الفئات المجتمعية )بالخصوص، النساء والشباب( ، وذلك برفع جميع
الحواجز التي تعترضها وتمكينها من سبل المشاركة. ويتضمن هذا المحور، أيضا، مقترحات تهدف إلى تقوية الرابط الاجتماعي من خال منظومة ثقافية تشجع على الانفتاح والحوار ونظام فعال ومنصف للحماية الاجتماعية يجسد التضامن، سيما تجاه الفئات الأكثر هشاشة.
الفقرة الرابعة :مجالات ترابية قادرة على تكييف:فضاءات لترسيخ أسس التنمية :
يتضمن النموذج التنموي المقترح رؤية جديدة بشأن دور المجالات الترابية باعتبارها شريكا للدولة في البناء المشترك للسياسات العمومية وتنفيذها بنجاح. وتكرس هذه الرؤية المكانة المركزية للجهات باعتبارها مصدرا لخلق الثروات المادية واللامادية ولانبثاق ديمقراطية تشاركية وكذا لترسيخ مبادئ استدامة الموارد أمام آثار التغيرات المناخية.
كشفت أزمة كوفيد – 19 عن وجود تفاوتات مجالية فيما يتعلق بالاستفادة من الخدمات العمومية
الأساسية وخلق الثروات. كما أبانت عن ضرورة مواجهة هذه التحديات من خال مقاربات مستجدة. ومن هذا المنطلق، تؤكد اللجنة على ضرورة تعزيز قدرات المجالات الترابية وتقوية مناعتها بشكل مستدام. وتستوجب هذه المقاربة إعادة التفكير في آليات الاشتغال والتفاعل واتخاذ القرار على صعيد المجالات الترابية وجعل فعالية العمل في خدمة المواطنين في صلب هذه المقاربة. وهكذا، فإن اللجنة تدعو إلى بلورة حكامة جديدة للمجالات الترابية كفيلة بدعم التكامل بينها وبين الدولة وتنمية منظومات اقتصادية مندمجة وتهيئة فضاءات وأماكن العيش والمحافظة على الموارد الطبيعية. ومن أجل تعزيز بروز مجالات ترابية مزدهرة وقادرة على الصمود ومستدامة ، توصي اللجنة بتبني الاختيارات الاستراتيجية الخمسة التالية :
الاختيار الاستراتيجي الأول : العمل على انبثاق “مغرب الجهات” مزدهر وحيوي :
وفقا للدستور، يدعو النموذج التنموي الجديد إلى “مغرب الجهات” ضمانا لالتقائية ونجاعة السياسات العمومية على مستوى المجالات الترابية . ويستدعي ذلك القيام بإصاح ترابي للدولة وبتعزيز قدرات الفاعلين الجهويين حتى يتمكنوا من تحمل مسؤولياتهم كاملة .
في هذا الأفق، تدعو اللجنة إلى تسريع عملية الجهوية المتقدمة موازاة مع لاتمركز فعلي
وإنهاء التلكؤ الذي أخر تطبيقها. ويجب أن يكون هذا اللاتمركز مرادفا للتَّفريع وأن يتماشى مع الخصوصيات الترابية لكل جهة وأن ينبني على العمل المشترك ما بين الوزارات والقرب وتنشيط وتعبئة الطاقات التي تزخر بها المجالات الترابية. لهذا الغرض يجب أجرأة التصاميم المديرية للاتمركز بصفة أكثر عزما عن طريق نقل حقيقي للسلطات والوسائل وليس فحسب عن طريق تفويض التوقيعات. ويستدعي هذا النقل للسلطة تعزيز دور الولاة فيما يتعلق بالتنسيق بين مصالح الدولة الخارجية لتغدو شريكا حقيقيا لممثلي الجهات وذلك طبقا لروح المفهوم الجديد للسلطة كما حدده جلالة الملك بتاريخ 12 أكتوبر من سنة 1999 ، ولأحكام الدستور الذي أسند للولاة مهمة تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها. لهذه الغاية، توصي اللجنة بإحداث إدارة خاصة مكلفة بالشؤون الجهوية. وفي نفس المنظور، يجب تبسيط الإطار التعاقدي بين الدولة والجهة لأجل الاستخدام الأمثل للوسائل والإجراءات، وبالتالي تمكين الفاعلين من تحمل المسؤولية. ويتأتى ذلك عبر فتح نقاش مع المنتخبين وكذا وضع إطار مرجعي يحدد كيفيات هذا التعاقد والتزامات كل من الدولة والجماعات الترابية.
إن تحقيق أهداف الجهوية المتقدمة يستلزم تعزيز الموارد المالية للجماعات الترابية وتنويعها
ومشاركتها فيما بينها فضا عن تنمية مواردها البشرية. ويتأتى تعزيز الموارد المالية للجماعات
من خال الرفع من التحويات المالية المنجزة من طرف الدولة، موازاة مع نقل الاختصاصات، والمرتبطة جزئيا بالموارد الضريبية المستخلصة على مستوى كل جهة وكذا الرفع من الموارد الذاتية للجماعات الترابية من خال تبسيط وتحسين الجبايات المحلية. وسيتم ذلك أيضا عبر اللجوء الممنهج للتشارك بين الجماعات بهدف الاستغلال الأمثل للوسائل وتوفير خدمات ذات جودة عالية بدعم من القطاعات التقنية التابعة للدولة. وفي إطار هذه الدينامية، فإن تعبئة الموارد البشرية المؤهلة تكتسي أهمية كبرى لتمكين الجماعات الترابية من أداء مهامها. وتتأتى هذه التعبئة من خال اعتماد آليات سلسة لإعادة تخصيص الموارد البشرية انطلاقا من الإدارة المركزية أو عن طريق التعاقد والتوظيف المباشر، من طرف الجماعات الترابية، للخبرات والكفاءات التي تحتاج إليها. ويمكن التفكير أيضا في جهوية الخدمات المتعلقة بالبنيات التحتية )أنظر الإطار رقم 16 ( وكذا اللجوء إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل دعم تنفيذ المشاريع التنموية الجهوية التي تتاءم مع هذا النوع من التمويل. كما يمكن للجهة
أن تعتمد على صندوق التجهيز الجماعي، الذي يجب تعزيز قدراته، لمواكبتها بشكل أفضل ليس فحسب في تمويل المشاريع الكبرى ولكن أيضا في مرحلة تصميم هذه المشاريع وإعدادها التقني .
الاختيار الاستراتيجي الثاني : ضمان إعادة تنظيم متجدد للمستويات الترابية وتشجيع
ترابطها : يدعو النموذج التنموي الجديد إلى إعادة تنظيم ترابي متجدد يضع المواطن في صلب السياسات العمومية ويمكّن من توزيع أنجع للخدمات العمومية لتصل إلى أصغر وحدة ترابية الدوار .
يتطلب ذلك الاعتراف بمكانة ” الدوار ” كوحدة ترابية أساسية باعتباره مكانا لتجميع المعطيات
والبيانات حول الساكنة والمنتجات المحلية والموارد الطبيعية( ومكانا تم تحديده وتهيئته، مع الأخذ بعين الاعتبار ديناميات التنمية الخاصة بهذه المناطق. لهذا الغرض ، سيمكن إنشاء مرصد مخصص لجمع المعلومات على مستوى كل دوار من التوفر على معطيات موثوقة من شأنها تنوير اختيارات السياسات العمومية على المستوى المحلي. ويتعلق الأمر أيضا ببلورة آليات الديمقراطية التشاركية حول “الدوار” وجعله المكان الأول لتفويض المرافق العمومية للساكنة. وسيكون من المناسب إحداث لجن على مستوى الجماعة تضم ممثلين عن مختلف الدواوير لأجل ضمان تمفصل حيوي بين أماكن العيش ومستويات اللامركزية الإدارية. ومن شأن عمل كهذا أن يتيح خلق إطار ملائم لتشجيع وتحديد مبادرات
ومشاريع صاعدة من طرف المجتمع المدني المحلي ، تستجيب للتحديات الترابية.
بالإضافة إلى ذلك، تقترح اللجنة إعادة التفكير في توزيع الخدمات العمومية بالعالم القروي
عبر استثمار “الدائرة” باعتبارها حلقة وسيطة بين الجماعة والإقليم. ويتعلق الأمر بالارتقاء
بمكانة الدائرة من مجرد وحدة إدارية، كما هو عليه الحال الآن، إلى بنية للتنسيق قائمة بذاتها.
وهكذا ستصبح الدائرة وحدة إدارية للقرب ونقطة التقاء المجالين الحضري والقروي . فمراكز الدوائر هي في الغالب عبارة عن مدن صغيرة يمكن أن تشكل رأس شبكة فعالة لتقديم الخدمات العمومية الموجهة للعالم القروي. وسيمكّن تجديد مهام “الدوائر” كوحدات للتنسيق من تكريس التمفصل بين المدن الكبيرة والصغيرة والمراكز الناشئة والجماعات ذات الطابع القروي من أجل تحقيق تنمية مندمجة ودامجة ومستدامة. وبالإضافة إلى ذلك، تقترح اللجنة تشجيع التعاون بين الجماعات داخل المجال الترابي للدائرة من خال إجراءات تحفيزية لإرساء مشاريع وخدمات عمومية .
الاختيار الاستراتيجي الثالث : تيسير تهيئة مندمجة للمجالات الترابية وتحسين السكن وإطار
العيش وتعزيز الربط بالشبكات والتنقل : تدعو اللجنة إلى مراجعة عميقة لمنظومة إعداد التراب الوطني بشكل يتاءم وتطلعات التنمية المستدامة وأهداف تحقيق رفاه المواطنين .
ولهذا، يجب اعتماد تصور جديد للتعمير يتمحور حول مقاربات للتخطيط الحضري تتمركز
حول جودة إطار العيش والتمازج الاجتماعي والوظيفي. ومن أجل القطع مع المقاربة الحالية التي تفتح المجال لتدبير وفق الإستثناءات التي تفتقد إلى التخطيط والاندماجية، تدعو اللجنة إلى اعتماد ” إطار مرجعي وطني للتنمية الحضرية”. ويمكن أن يرتكز هذا الإطار على المبادئ التالية:
1( توزيع للمجال الترابي يعزز جودة إطار عيش المواطن عبر امتزاج وظيفي أفضل للمجالات وخصوصا بواسطة تأطير إلزام الجماعات ببرمجة مناطق خضراء وبنيات تحتية سوسيوثقافية تستجيب لحاجيات المواطنين وضمان تدبير فعال للمرافق العمومية الحضرية )النقل، النفايات، …( تدبير مستدام للوعاء العقاري خصوصا عبر مراقبة صارمة لسياسة الرخص الاستثنائية والتركيز على استغلال الوعاء العقاري المفتوح للتعمير من أجل تقليص امتداده الأفقي وضمان تمركزه، موازاة مع فتح مناطق جديدة، عند الاقتضاء، وفق تخطيط مسبق،
3( دعم الإدماج والتمازج الاجتماعيين في المدن، خاصة من خال إعادة توجيه سياسة دعم الولوج إلى السكن. ويجب أن تتمحور هذه السياسة حول منطق المساعدة المباشرة للمواطنين على اقتناء السكن، واختيار نوع السكن الملائم لهم، أكثر منه على سياسة العرض المرتكز على مشاريع السكن الاجتماعي في ضواحي المدن، والتي تفضي إلى ظهور أحياء منعزلة ومدن منامات. ويجب أن تستجيب سياسة الولوج إلى السكن أيضا لمتطلبات “إطار العيش” الذي يدعو إليه التصور الجديد للتخطيط الحضري، حتى لا يقتصر المجهود على السكن بل يدمج أيضا مسألة ولوج الأسر ذات الدخل المحدود إلى فضاءات لائقة للعيش ومتصلة بالشبكات ، مع توفير خدمات عمومية للقرب .
يتطلب هذا التصور الجديد توضيح معنى حكامة التخطيط الحضري سواء على مستوى المؤسسات والفاعلين المحليين والمركزيين )دور كل منهما، ونطاق تدخله ، وكيفيات التعاون واتخاذ القرار ( أو على مستوى معايير التعمير وأدوات التخطيط. كما يستلزم ، أيضا ، تزويد الفاعلين المحليين بالإمكانيات التقنية والبشرية اللازمة بما يؤهلهم لتحمل المسؤولية والحرص على النتائج .
خاتمة :
في الختام ، نؤكد أن إشراك الكفاءات و مختلف هيئات المجتمع المدني ، سواء في صياغة النموذج التنموي الجديد أو في تنزيل مضامينه أو في عقد لقاءات وطنية و دولية ترسم معالمه ، كل هذه العوامل لن تكون مجدية في ظهور أولى بوادر الإصلاح و نجاح النموذج ما لم يتم تغليب المصلحة العامة للوطن على المصالح الخاصة لكل جهة على حدة ، ووجب أيضا تجاوز الخلافات التي تعرفها الهيئات الحزبية فيما بينها ، بل أن تتجاوز الخلافات داخل أحزابها ، التي تنعكس سلبيا على أداء الأحزاب السياسية داخل النسق السياسي العام للبلاد … و ما لم تتم تلك المصالحة فإن النموذج التنموي سيظل عاجزا عن تحقيق العدالة المجالية بنموذج مغربي خالص يستجيب لمتطلبات المواطنين من خدمات المرافق العمومي و تحسين جودته و خلق فرص الشغل .. و في النهاية . يجب أن لا ننسى ربط المسؤولية بالمحاسبة ، لأنها الكفيلة بردع كل تجاوز للمسؤليين .
أخيرا و ليس اخر ، فإن نجاح اية عملية تنموية تتطلب إسهام و إشراك المواطنين من خلال الإنصات لمشاكلهم و محاولة إيجاد طرق التواصل البديلة بين المؤسسات و المواطنين و إعادة الثقة فيما بينهما لأجل إطلاق حوار وطني جاد و موضوعي .
و ما يعاب على النموذج التنموي في ظل الجهوية المتقدة أنه لم يأخذ بعين الاعتبار البعد المجالي من أجل تحقيق عدالة مجالية لتنمية بكل مستوياتها ، الاقتصادية ، البشرية الإجتماعية و تقسيم عادل لاليات خلقالثروة بين جهات المملكة و بتوزيع ثمار التنمية بين الجهات الغنية و المعوزة ، و هو ما أدى في النهاية إلى انعدام الموازنة بين التنمية الإقتصادية و ضرورات التنمية الإجتماعية .
و على ضوء مما سبق ذكره من نتائج . يمكن اقتراح جملة من التوصيات و التي نوردها فيما يلي :
يطرح النقاش حول النموذج التنموي من البداية تساؤلا مركزيا من قبيل: هل امتلك المغرب يوما نموذجا تنمويا متجانسا وواضح المعالم؟ إذ يمكن الجزم أنه قد حاول منذ بداية الألفية الثالثة تكييف سياساته العامة مع أهداف الألفية الثالثة المتعلقة بالتنمية البشرية لتي وضعتها الأمم المتحدة قصد مكافحة الفقر والهشاشة في العالم. فقد تم هذا التكييف بسرعة وبشكل عمودي، حيث تم تنفيذه ونشره انطلاقا من مركز الدولة نحو أطرافها ومن الفوق نحو القاعدة. وهذا ما طرح إشكال فعالية الإصلاح من الفوق وجاهزية المجتمع ومؤسساته لمسايرة خطى الدولة الإصلاحية.
- على مستوى الهندسة المؤسساتية للدولة:
الإقرار بفشل النموذج المؤسساتي اليعقوبي المفرط في المركزية.
الاقرار بفشل جل الاجراءات المتعلقة بالتمكين الاقتصادي والمالي للجماعات الترابية المعتمدة كليا على موارد الادارة المركزية ، إذا :
لا يمكن جعل هذه الوحدات الترابية رافعة للتنمية إلا إذا تمكنت فعليا من وضع التوجهات الاقتصادية الخاصة بها (أي تمكينها من سلطات تشريعية محددة في مجالات الاقتصاد والتعليم والسكن والشغل…. الخ .
وهذا ما سيسمح بخلق ديناميكية تنافسية بينها بما يسمح بفرز واضح للنماذج الترابية لناجحة وغير الناجحة، ويمكنها من تبادل الخبرة والتجارب.
الدفع نحو خلق فضاءات اقتصادية جهوية حرة ومتخصصة قصد جلب الرساميل الوطنية والدولية والسماح باندماج أفضل في الاقتصاد العالمي.
تعديل الدستور لتمكين الجماعات الترابية من السلطات التشريعية اللازمة لتدبير مجالها وتنمية قدراتها البشرية والاقتصادية.
الاقرار بأن الحد من الفوارق الاجتماعية ومن الفقر يمر أساسا عبر الحد من الفوارق المجالية والترابية، لأن محاربة الفقر والهشاشة لا تكون فعالة إلا على المستوى الترابي (الجهوي والجماعي) حيث يمكن تفعيل شبكات العلاقات العضوية كرافعة لتحقيق التضامن والانسجام الاجتماعي.
محاربة المقاومة المؤسساتية للتغيير Path dépendancy عبر إدماج الوسائل التكنولوجية في التدبير المؤسساتي بما يسمح بالانفتاح على التجارب الدولية ودعم الابتكار في تسيير وتدبير الموارد العمومية.
- على مستوى التعليم :
وهو مستوى استراتيجي لا يقل أهمية عن المستوى الأول، مادام الولوج إلى التنافسية الدولية وإلى اقتصاد المعرفة يمر أساسا عبر تجويد التعليم وتمكين الشباب من مهارات وقدرات معرفية وتقنية تؤهلهم للانخراط السلس في سوق الشغل المتجدد والمعولم . وفي هذا الصدد يتوجب :
توسيع قاعدة التمدرس في الأوساط القروية وتنويع العروض التعليمية بما يسمح بتوسيع آفاق المتمدرسين وخياراتهم. القطع مع الاعتقاد التقني غير المؤسس علميا الذي يدافع عن ربط العروض التعليمية بسوق الشغل للأسباب التالية :
محدودية سوق الشغل الوطنية. التسارع اليومي لحاجيات السوق الاقتصادي بما لا يسمح للمدرسة بأي إمكانية للمواكبة. تسارع وتيرة الابتكار التقني الذي يتجاوز كثيرا إمكانيات المدرسة العمومية مهما توفرت لديها الوسائل والموارد. محدودية موارد وعرض المدرسة العمومية مقارنة مع يتطلبه السوق.
الحد من الهدر المدرسي على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي، عبر إقرار إجبارية التعليم إلى حدود الثامنة عشر، مع وجوب تحميل الآباء.
القطع مع المجانية التامة للتعليم العالي، حيث أنه إذا كان ضروريا اعتماد مجانية التعليم الابتدائي والثانوي إلى حدود سن الثامنة عشر، فإن المجانية على مستوى التعليم العالي لا يجب أن تكون حقا طبيعيا، بل حقا مكتسبا، يمنح حصريا لأبناء الفئات الهشة النابغين والذين أثبتوا قدراتهم وتفوقهم.
ذلك أن اعتماد جامعات ذات الاستقطاب المفتوح يعد في حد ذاته هدرا لموارد الدولة ولقدرات الطلبة، إذ لا يستفيد من مجانية التعليم العالي إلا القليل من الطلبة، مقارنة مع الجهود الجبارة التي تقوم بها الدولة في هذا المجال، رغم محدودية مواردها. لذلك فإن ترشيد الإنفاق العمومي في هذا المجال يمر عبر تمكين الجامعات العمومية من توفير عروض تعليمية تنافسية ومؤدى عنها، تسمح لها بتحقيق موارد مالية إضافية، يمكن توجيهها نحو تشجيع البحث العلمي والابتكار، كما يمكنها من تحديث تجهيزاتها دون إثقال ميزانية الدولة.
توجيه التعليم نحو الابتكار وتملك التقنيات الحديثة عوض الاقتصار على التعليم التقليدي المعتمد على الحفظ.
إدماج تعلم اللغات الحية والتقنيات الحديثة في كل المسارات التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي.
- على مستوى السياسات الاجتماعية :
الإقرار بأنه بالرغم من المجهودات الجبارة للدولة وبالرغم من الحجم الكبير للإنفاق في القطاعات ذات البعد الاجتماعي، فإن ولوج المواطنين لهذه القطاعات ظلت محدودة كما وكيفا، ولم تحقق الأثر المتوخى منها في تحسين ظروف عيش المواطنين وثقتهم بمؤسسات الدولة.
إذ يجب في هذا السياق الانتقال من المنطق السائد المدافع عن المزيد من الدولة ، إلى منطق نجاعة الدولةPlus d’Etat-Mieux d’Etat إلى منطق الدولة غير المبذرة.
على مستوى سياسات الإسكان يجب توفير السكن للمواطنين دون تمكينهم من ملكية السكن، لأن ذلك من شأنه إنهاك ميزانية الدولة ووعائها العقاري دون تحقيق الهدف المنشود المتعلق بمحاربة الفقر والهشاشة (فالسكن يجيب أن يظل في ملكية الدولة مع تمكين المواطنين من الاستفادة منه .
على مستوى الصحة ، لا يجب ملازمة جودة الصحة العمومية بحجم الإنفاق عليها. إذ يمكن تحقيق جودة الخدمات الصحية العمومية دون الحاجة لموارد ضخمة. يمكن البحث عن تعويض الإنفاق على البنايات الاستشفائية ذات التكلفة العالية بوحدات صحية أقل كلفة وأقل هدرا للطاقة والموارد. كما يمكن اللجوء إلى البرامج الصحية الوقائية كحل للتقليل الإنفاق العمومي في مجال الصحة. كمثال على ذلك، الاستثمار الطويل الأمد في الصحة الوقائية مثل الرياضة، الرفع من ثمن المشروبات الغازية والأطعمة السريعة ذات الأثر السلبي على الصحة العامة للمواطنين، والرفع من الجبايات على مصادر التلوث…
- على المستوى الاقتصادي :
ضرورة الحسم في طبيعة توجه النموذج الاقتصادي المغربي، لأن تحقيق اقتصاد تنافسي حديث ومندمج في الاقتصاد الدولي يتطلب الانخراط التام وغير المشروط في الاقتصاد العالمي، وهذا لا يتأتى إلا:
بالبحث عن اقتصاد مبني على تخصصات ذات قيمة وطاقة عالية مثل الاقتصاد البيئي-الاقتصاد الرقمي 4.0 و5.0
والبحث عن خلق فضاءات حرة للابتكار والاستثمار،
وتسويق أفضل لماركة المغرب، الذي يمر أساسا عبر تثمين المنتجات الوطنية والتشجيع على استهلاكها وطنيا ودوليا.
الاعتراف بفشل النموذج الاقتصادي النيوليبرالي المبني حصرا على قاعدة النمو بدلا من التنمية، مما دفعه إل التركيز على الإصلاحات الكمية التي من شأنها تشجيع وتيرة الاستهلاك لدى المواطنين والمؤسسات العمومية حتى ولو كان ذلك على حساب البيئة والصحة العمومية.
ذلك أن هذا النموذج يعتمد على فكرة الرفع من مستوى عيش المواطنين عبر الرفع من قدراتهم الشرائية، أي الاستهلاكية، وهذا ما يخلق ضغوطا خطيرة على الموارد الطبيعية والبيئية المتوفرة دون تحقيق هدفه، ما دامت المطالب الاستهلاكية للمواطنين في ارتفاع مضطرد غير متناسب مع الامكانيات الاقتصادية المتاحة.
- على مستوى ديمومة النموذج التنموي :
تعاني الدولة من إشكالية القدوة Exemplarité على المستوى البيئي والتعاطي مع الموارد المادية والطبيعية المتاحة، ذلك أن تعاطي المؤسسات العمومية مع هذه الموارد يتم على قاعدة التبذير وكأنها موارد لا تنضب، وهو ما يدفعها إلى الاستهلاك غير المعقلن للمياه والطاقة، لذلك يتوجب :
سقي المساحات الخضراء بمياه معالجة غير مياه الشرب،
واعتماد الإنارة الاقتصادية في الشوارع العمومية،
تقنين استهلاك الورق والطاقة في مباني الدولة
اعتماد مؤسسات الدولة على آليات غير مبذرة للطاقة وغير ملوثة للهواء، باعتبارها قدوة للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
الدفع نحو الابتكار والاستثمار المكثف في مجال الطاقة البديلة والتكنولوجية الخضراء التي تعد من ركائز الاقتصاد المستقبلي.
- على مستوى مكافحة الفساد والرشوة :
يجب الإقرار بأن محاربة الفساد والرشوة لا يستقيم إلا بتجفيف منابعها والقضاء على دوافعها ومسبباتها العميقة، إذ ما دامت الإدارة والمؤسسات العمومية ترزح تحت ثقل البيروقراطية والمساطر المعقدة والمكلفة زمنيا وماديا، فالرشوة تظل أمرا واردا بل وعقلانيا لتفادي ضياع الوقت والجهد .
ولعل القضاء على الرشوة لن يتم إلا ب :
تبسيط المساطر والاجراءات الإدارية.
اعتماد الشفافية في المساطر والمعايير المعتمدة من قبل الإدارة والمؤسسات العمومية.
رقمنة الإجراءات الإدارية والمالية.
تقوية أجهزة الدولة المكلفة بالمراقبة والتتبع والافتحاص.
- على المستوى التشريعي :
تفادي التشريع المكثف وتبسيط اللغة التشريعية بما يسمح بتلقيها وتملكها بشكل أفضل من قبل المواطنين، وتسهيل الولوج إليها من جهة، أي تشريع أقل لكن أفضل.
إدماج مقاربة دراسة الجدوى القبلية للقوانين وأثرها على المواطنين وعلى موارد الدولة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لائحة المراجع :
الكتب باللغة العربية :
- رضوان زهرو ، ” نموذجنا التنموي من أجل تعاقد جديد ” ، الطبعة 2019 .
- محمد البكوري ، ” النموذج التنموي الجديد الأسس النظرية الكبرى ” ، العدد 23 ، مطبعة دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع الرباط ، سنة 2019 .
- ذ سعيد جفري و ذ يونس مليح ، ” النموذج التنموي الجديد : قراءة في السياق و سؤال التنمية بالمغرب ؟ ، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية و الإدارية ، سنة 2020 .
- محمد سعيد السعدي ، ” النموذج التنموي الجديد : تنمية لفائدة من ؟ ، طبعة 2021 .
- سعيد الغماز ، ” النموذج التنموي في المغرب : مقاربة مع نماذج تنموية ناجحة في اسيا و إفريقيا ” ، طبعة يونيو 2021 .
- بلال الركراكي ، ” النموذج التنموي الجديد و إشكالية تحقيق التنمية الترابية بالمغرب ” ، طبعة 2021 .
- أسماء العرباوي ، ” النموذجالتنموي الجديد : في خمسة أسئلة ، طبعة 2022 .
معجم باللغة الفرنسية :
- LE NOUVEAU MODELE DE DEVELOPPEMENT DU MAROC , contribution du consiel economique , social et environnemental, 2019 .
- LE MAROC QUE NOUS VOULONS MEMORANDUM , pour un nouveau modele de devloppement du maroc , le bureau executif du Mouvement damir – juin 2019 .
- ZRIOULI M4HAMED , Régionalisation Avancée et Modèle De Développement Du Maroc 21 émé Siècle , 2021 .
مقالات علمية :
- علي كريمي ، الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و علاقتها بالنموذج التنموي الجديد.
- عبد القادر التيعلاني ، أزمة نموذج أم نموذج أزمة .
- اسماعيل احديدو ، البعد الرقمي في النموذج التنموي الجديد . أيه أهمية ؟ .
- قاسم لعويمر ، النموذج التنموي الجديد ، من وجهة نظر الاحزاب السياسية .
- خالد حمدان ، دور النخبة السياسية في بلورة النموذج التنموي بالمغرب .
- نبيل سديري ، سؤال التنمية في النموذج التنموي الجديد .
- صابر بن داود ، إشكالية التنمية في صلب النموذج التنموي الجديد في الحاجة إلى تقويم الحصيلة قبل بلورة البديل .
- سناء بن مسعود ، تدابير التنمية و تعزيز الرأسمال البشري في النموذج التنموي المغربي الجديد .
- عبدي مصطفى ، دور مجالس الجهات في إنجاح النموذج التنموي الجديد .
- ياسين بلال ، الجهوية المتقدمة و سؤال النموذج التنموي بالمغرب ، أية علاقة ؟ .
- ياسر عاجل ، معيقات التنمية الجهوية و رهان النموذج التنموي الجديد بالمغرب .
- دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز سنة 2011 ، الجريدة الرسمية ، عدد 5964 مكرر الصادر بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق ل 30 يوليوز 2011 .
- تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي الصادر بتاريخ شتنبر 2018 .
- تقرير البنك الدولي عنوانه : ” المغرب في أفق 2040 ” .
- التقرير العام ” النموذج التنموي الجديد ” ، تحرير الطاقات و استعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم و تحقيق الرفاه للجميع ، أبريل سنة 2021 .
الرسائل و الأطروحات الجامعية :
- شاكر الموساوي الإدارة المحلية المغربية وتحديات الحكامة ( قراءة نقدية ) بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة عبد المالك السعدي ، طنجة ، 2004 ـ 2005 .
- محمد السحاري ، النموذج التنموي الجديد بيم مطرقة الواقع و سندان تكرار أخطاء الماضي ، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا ماستر تدبير الشأن العام المحلي ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، جامعة عبد المالك السعدي ، طنجة ، السنة الجامعية : 2018 / 2019 .
- بنغالم حياة ، الإدارة المغربية في علاقتها بالمرتفقين واقع و افاق ، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية أكدال ـ الرباط ، 1997ـ1998 .
الخطب الملكية :
- خطاب الملك محمد السادس 20 يوليوز 2000.
- خطاب الملك محمد السادس في افتتاح الدورة التشريعية من السنة التشريعية
- · من الولاية التشريعية بتاريخ 13 أكتوبر 2017 .
- خطاب الملك محمد السادس في افتتاح الدورة التشريعية من السنة التشريعية
الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ 12 أكتوبر 2018 .
- خطاب صاحب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرس المجيد
من 29 يوليوز 2019 .
المواقع الإلكترونية :
- الموقع الإلكتروني للأمانة العامة للحكومة www.sgg.ma
- الموقع الإلكتروني للمستجدات والتقارير القانونية www.mctp.ma
- الموقع الإلكتروني الإدارة الإلكترونية www.marocdroit.com
- الموقع الإلكتروني لمنتدى ستار تايمز www.startimes.com .
- الموقع الإلكتروني للمستدجدات ساحة القانونية www.alkanonia.info.com