الضمانات الدستورية للحقوق والحريات أي دور للقضاء؟

الضمانات الدستورية للحقوق والحريات أي دور للقضاء؟

الضمانات الدستورية للحقوق والحريات أي دور للقضاء؟

الضمانات الدستورية للحقوق والحريات أي دور للقضاء؟


د. مصطفى بنشريف – د. فريد بنته

يعتبر دستور 2011 كوثيقة دستورية مهيكلة للحقوق و الحريات و البناء الديموقراطي، نهضة سياسية وتأسيسية بإعلانه على عدة مبادئ داعمة لحقوق الإنسان، تتمثل أساسا في التأكيد على مبدأ فصل السلط و توازنها و تعاونها، و الديموقراطية المواطنة  و التشاركية، و مبادئ الحكامة الجيدة، و بأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، و الإلتزام بحماية منظومتي حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و سموها والنهوض بها و الإسهام في تطويرها مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق و عدم قابليتها للتجزئ.

وهو الأمر الذي تزكيه مقتضيات الباب الثاني من الدستور، كباب خاص بالحريات و الحقوق الأساسية، لإعترافه بمجموعة من الحقوق المدنية و السياسية  و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و البيئية. لكن هذه الحقوق تحتاج إلى حماية من كل أنواع الإنتهاك،  و هو ما يعني وجوب توفير الآليات الكفيلة بذلك، و من أهمها، الآليات الوطنية و الحماية القضائية.  فإلى أي حد نجحت و ستنجح الآليات الوطنية و القضاء في توفير الحماية للحقوق   و الحريات، وفقا لما هو وارد في الدستور، كدستور لحقوق الإنسان؟

قد يهمك أيضا : حرية الصحافة والحدود الواردة عليها ( أطروحة)

و شكل إصلاح و استقلال السلطة القضائية عضويا و إستقلال القضاة شخصيا، أحد أهم المبادئ الكبرى للإصلاح الدستوري، و من أجل تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بهذا الورش القضائي، فتح حوار عمومي حول الإصلاح الشامل لمنظمومة العدالة بإحداث هيئة عليا للحوار الوطني حول الإصلاح الشمولي لمنظومة العدالة. و لقد شدد الدستور على أهمية دور السلطة القضائية في ضمان و حماية الحقوق و الحريات، و هو ما يعني وجوبا استقلاليتها إداريا و مؤسساتيا و ماليا.

***

و تضمن الدستور المغربي العديد من المبادئ التي أوكل إلى القضاء وظيفة حمايتها، و ذلك بتنصيصه صراحة بانه ” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم  و أمنهم القضائي،  و تطبيق القانون ” ( الفصل 117)، كما أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون و الطعن في كل قرار إداري، سواء كان فرديا  أو تنظميا أمام جهة القضاء الإداري المختصة ( الفصل 118)، و الحق في محاكمة عادلة ( الفصل 120)، و الحق في التعويض تتحمله الدولة نتيجة خطأ قضائي ( الفصل 122)، و بانه يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء الفصل ( 126) إضافة إلى دسترة العديد من المبادئ ذات الصلة.

أنه بالإضافة إلى الدور المسند إلى السلطة القضائية دستوريا من أجل ضمان حماية الحقوق و الحريات، فإنه قرر إحداث محكمة دستورية ( الفصل 129)، تتولى الرقابة المركزية على دستورية القوانين دون سواها عن طريق ممارسة الرقابة القبلية أو السياسية على القوانين و اللوائح ( مراسيم قوانين)، بعد التصويت عليها من طرف البرلمان و قبل إصدارها أو نشرها.

كما استحدث دستور 2011 آلية رقابية جديدة لم تكن مألوفة في الدساتير السابقة، مجالها الحقوق و الحريات، تسمح للمتقاضين الطعن في عدم دستورية قانون معين سيطبق في النزاع المعروض على القضاء، و هو ما يعرف بنظام الرقابة اللاحقة لإصدار القانون أو الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق مباشرة مسطرة الدفع بعدم الدستورية ( الفصل 133). إذا كان الدستور الجديد قد تضمن العديد من المبادئ ذات الصلة بالحقوق و الحريات في العديد من أبوابه و فصوله، و هو ما يجوز وصفه  ” بدستور حقوق الإنسان “.  

***

و من أجل ممارسة و حماية الحقوق و الحريات الدستورية أكد المشرع الدستوري على مجموعة من الآليات و الضمانات المؤسساتية و التشريعية غايتها بناء دولة القانون و تحقيق الأمن القانوني و القضائي، و ذلك عن طريق تنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالحقوق و الحريات تنزيلا  ديموقراطيا، خاصة بعد دسترة مبدأ عالمية و كونية حقوق الإنسان و عدم قابليتها للتجزئ، و كذا دسترة توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة ذات الصلة بالحقوق و الحريات.

إذا كان الدستور ينظم سلطة الحكم، و يبين فصل السلطات و اختصاصاتها، و يضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد و الحريات، و تنبثق عنه مبدأ الشرعية و سيادة القانون، فإن الدستور المغربي كتشريع أساسي أكد على مكانة الحقوق و الحريات الفردية و العامة كفلسفة و تشريع دستوريين، و فقا لما هو وارد في القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني، فإن الإشكالات تنطرح  بمناسبة انتهاك هذه الحقوق و الحريات، الأمر الذي يتطلب توفير و إيجاد ضمانات قانونية لأجرأة و تنزيل مقتضيات الدستور، و خلق الآليات المؤسساتية الكفيلة بحماية حقوق الإنسان و حرياته الأساسية لضمان عدم انتهاكها و القطع مع ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

و لما كانت هذه الحقوق مبادئ دستورية فإنه يجب على كافة سلطات الدولة احترامها و التقيد بها، و ذلك بعدم جواز إصدار قانون أو تعليمات تتعارض مع المبادئ الدستورية لكونها تتصف بالسمو.

و وفقا للنسق الدستوري، تعد السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم بمختلف أنواعها و درجاتها، إحدى المداخل الأساسية و كضمانات داخلية، تضطلع بوظائف حماية الحقوق و الحريات الفردية و العامة من خلال بسط رقابتها على أعمال السلطة التنفيذية، و تولي القضاء الدستوري رقابته على أعمال السلطة التشريعية.

***

إن دور القضاء في حماية الحقوق و الحريات لن يكون فعالا، إلا بتوفير ضمانات قانونية تتلائم مع المبادئ الدستورية و الدولية، و خلق آليات وطنية، تتمثل أساسا في ضمان إستقلالية القاضي،  و توفير الأمن القضائي للقاضي، و العمل بمحاكم متخصصة و من أهمها إحداث مجلس للدولة كجهة قضائية إدارية عليا. لأن دسترة الحقوق و الحريات كما هي متعارف عليها عالميا في الإعلانات و المواثيق و الصكوك الدولية، يبقى عمل غير كاف كتشريع دستوري لضمان حماية الحقوق  و الحريات ترجمة
حجم التحولات و دينامية التغيير التي يعرفها المغرب في سائر المجالات  و من أهمها قطاع العدالة.

فهل السلطة القضائية مؤهلة لمواجهة التحديات التي يعرفها المغرب و من بينها تحدي حماية الحقوق و الحريات لتجاوز أخطاء الماضي؟

و هل تتوافق مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة مع المبادئ الدستورية و الدولية المتعلقة بإستقلال القضاء و استقلال النيابة العامة؟

و هل يمكن تصور إستقلال فعلي للسلطة القضائية دون إستقلال عضوي للقضاء و شخصي للقضاة ؟

و هل يمكن ضمان جودة الأحكام دون دمقرطة القوانين التي تحكم الحياة القضائية للقضاة؟

هذه الأسئلة موضوعة على عاتق الباحثين في هذا المجال حتى يساهم الجميع في تنزيل حقيقي لروح و فلسفة الدستور الضامن الأول لحماية الحقوق و الحريات.

المصدر: موقع العلوم القانونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى