دور المجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية الترابية

المطلب الثاني: آليات المجتمع المدني في صنع السياسات العمومية الترابية

انسجاما مع إرادة بناء حياة عامة قائمة على مبادئ الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية، عمد الدستور الجديد إلى الانفتاح على بعض الهيئات غير الرسمية من أجل المساهمة بدورها في تدبير الشأن العام المحلي وصياغة السياسات العامة، وفي هذا الإطار جاء الفصل 12 من الدستور لينص على مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية سواء في إعداد أو تفعيل أو التقييم(14)، وتتم هذه المساهمة بمجموعة من الآليات وكذا التدخل في عدة مجالات.

الفقرة الأولى : مراحل  تدخل المجتمع المدني في صنع السياسات العامة الترابية

تتعدد مجالات تدخل المجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية وصنع السياسة العامة ويتم هذا التدخل على مستوى مرحلة اتخاذ القرار أولا وعلى مستوى تنفيذ هذه القراراتوتقييمها ثانيا.

  • مرحلة المشاركة في اتخاذ القرار

لقد أسس دستور 2011 نهاية احتكار المؤسسات السياسية لتدبير الشأن العام من خلال تنصيصه على الديمقراطية التشاركية المواطنة في فصله الأول، ومن خلال تنصيص فصول أخرى على مقتضيات تحدد وتحفظ دور المجتمع المدني في صلب عملية اتخاذ القرار وصنع السياسات العامة الترابية.

إلا أن تكريس ما أسسه الدستور من انتقال بلادنا من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية يبقى رهينا بالممارسة وبتنزيل النصوص الدستورية على أرض الواقع وبمدى مساهمة جميع الفرقاء المعنيين في اقتراح ومناقشة وصياغة القوانين التنظيمية اللازمة لاستكمال البناء المؤسساتي بما يضمن مشاركة المجتمع المدني في مرحلة متقدمة وعلى المستويات المختلفة خلال عملية صنع القرار (15).

*****

ومن أجل ضمان مشاركة مؤسسة المجتمع المدني في كل مرحلة من مراحل صنع السياسات العمومية (16) ، فهناك خطوات وإجراءات يتعين على السلطات العمومية إدراجها في طريق عملها وتطعيم مساطرها بما كان يتعين على النسيج الجمعوي تطوير أدائه واعتماد الأساليب المناسبة التي تسهل انخراطه في مختلف هذه المراحل.

ففي مرحلة ما قبل اتخاذ القرار يتم تهيئ السياسات ومشاريع القوانين على الصعيد المحلي في المجالس المنتخبة ونادرا مايتم إشراك المجتمع المدني إلا بشكل استثنائي.

فالمنتظر من النسيج الجمعوي هو تركيز كل جمعية أو مجموعة من الجمعيات في مجال اهتمامها واختصاصها وفي التواصل مع المواطنين عل ى رصد الاختصاصات الحقيقة والملحة لفئات محددة أو للصالح العام من اجل اقتراح البدائل والتفاوض عليها أو التأثير في السياسات العامة لإدراج هذه البدائل فيها.

لذلك يجب القيام بعمليات التواصل والتوعية مع المواطنين والسلطات لإبلاغ صوتها وتسويق آرائها ومواقفها واستغلال كفاءاتها وخبراتها في مجالات اختصاصها من أجل تنوير السلطات العمومية بالأبحاث والدراسات من أجل توجيه السياسات.

  • مرحلة اتخاذ القرار والمشاركة في التنفيذ

أما فيما يخص مرحلة اتخاذ القرار فإن هذه العملية تعد من أصعب مراحل صناعة القرار العمومي، باعتبارها اختيارا بين مختلف البدائل والاستراتيجيات المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة أو تجنب نتائج محتملة، وكذا فيما يخص مرحلة المشاركة في تنفيذ القرارات إذ تشهد أكبر درجة من انفتاح السلطات العمومية على المجتمع المدني حيث ينتظر من المجتمع المدني التحسيس والتوعية بمزايا أو عيوب القرارات المتخذة وبمختلف الآثار المترتبة عنها (17) ، وقد تكون هذه المشاركة مباشرة أو مواكبة أو موازية.

الفقرة الثانية: آليات المجتمع المدني في صنع السياسات العمومية الترابية

تتعدد آليات وأساليب تدخل المجتمع المدني في صنع السياسات العمومية الترابية، ففي نقاشات صنع السياسة العامة يتم إهمال المجتمع المدني والمواطنين وطلك لمصلحة الدور الذي تلعبه الأجهزة التشريعية، وجماعات المصالح والأحزاب وغيرهم من المشاركين المؤثرين، وينتج هذا الإهمال من التصور بأن الدور الذي يعبه المواطن العادي قد يكون له دورا مهما في تحريك عجلة صنع السياسات العامة(18) .

فقد نص الدستور على مجموعة من الهيئات سواء في صيغة مؤسسات وطنية أو استشارية تهدف إلى خلق فضاءات مؤسسية مستقلة عن السلطة التنفيذية،منفتحة وتعددية من حيث تكوينها، مما يسمح بإمكانيات التداول والحوار بين الفاعلين المجتمعيين والخبراء وممثلي الحكومة لتقديم الرأي والمشورة.

فالمجتمع المدني بآلياته التي يستعملها يضمن انفتاح أكبر ومساهمة مباشرة للمواطنين(19) عبر مجموعة من التقنيات والآليات منها:

  • آلية تقديم العرائض

عند دراستنا للوثيقة الدستورية يتضح أن المشرع الدستوري حاول أن يبوء الفرد مكانة متميزة وذلك بالاعتراف له بحقوق دستورية يمكن أن يمارسها دون وساطة أو توجيه من أحد خصوصا بعد أن ازداد وعي المواطن المغربي بالتعاطي مع الشؤون الإدارية والسياسية والمحلية والوطنية.

فتقديم العرائض وسيلة عرفها ومارسها المغاربة منذ زمن وهنا نذكر فقط عريضة المطالبة بالاستقلال سنة 1944.

ولكن كانت تلك العرائض سياسية فإن الدستور الجديد أراد أن يؤسس لتقديم العرائض ذات طبيعة إدارية وسياسية وكشكل من أشكال اتخاذ القرار ومراقبة تسيير وتنفيذ القرارات العمومية بالموازاة مع تقديم الملتمسات التي قد تضطلع بطابع سياسي هناك نقاط التقاء قوية بين تقنيتي العرائض والملتمسات في مجال التشريع.

*****

فقد نص الفصل 15 من الدستور الجديد على أن للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية كما أكد الفصل 139 على أنه “يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم العرائض الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله”.(20)

كما نص على ذلك القانون التنظمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات فيما يخص  شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين في المادة 123على انه ” يجب أن يستوفي مقدمو العريضة من المواطنات والمواطنين الشروط التالية: – أن يكونوا من ساكنة الجماعة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا؛ – أن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية العامة؛ – أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة؛ – أن لا يقل عدد الموقعين منهم عن مائة (100 )ناخب فيما يخص الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 35000 نسمة و 200 ناخب بالنسبة لغيرها من الجماعات، غير أنه يجب أن لا يقل عدد الموقعين عن 450 ناخب بالنسبة للجماعات ذات نظام املقاطعات.”

وفيما يخص شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات فقد نصت المادة  124على انه ” يجب على الجمعيات التي تقدم العريضة استيفاء الشروط التالية: – أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب طبقا للتشريع الجاري به العمل لمدة تزيد على ثالث (3 )سنوات، وتعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية وأنظمتها الاساسية؛ – أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين والانظمة الجاري بها العمل؛ – أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجماعة المعنية بالعريضة؛ – أن يكون نشاطها مرتبطا بموضوع العريضة”.

*****

ومن هذا المنطلق يمكننا تعريف العريضة بكونها رسالة مفتوحة وموقعة وموجهة إلى سلطات أو مؤسسات عمومية لتغيير أو إقرار أو استفسارعلى وضع ما أو قانون أو مرسوم إداري ما.(21)

  • آلية تقديم الملتمسات من المواطنين كفاعلين للمجتمع المدني

لقد وعى المشرع الدستوري التغييرات الجارية على صعيد المفاهيم الكبرى للسياسة، فأدخل مفهوم الملتمسات الذي تم التنصيص عليه في الفصل 14 من الدستور من شأن تفعيل هذه الآلية زيادة المشاركة الشعبية، فحق تقديم الملتمسات من طرف المواطنين مكسب ديمقراطي تاريخي سيساهم لامحالة في لإشراك المواطنين في توجيه السياسات العمومية المحلية .

  • الآليات التشاركية للحوار والتشاور

وهذه الآلية التي تم تبنيها من طرف مجالس الجماعات كآلية لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها طبقا لما هو معمول فيه في القوانين الجاري بها العمل وهذا ما نصت عليه المادة 119 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات والمقاطعات.

وفي نفس السياق نصت المادة 120 من نفس القانون على “تحدث لدى مجالس الجماعة هيأة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى ” هيأة المساواة وتكافئ الفرص ومقاربة النوع”.

كل هذه الآليات السالفة الذكر تعتبر أداة فعالة في رسم ميكانيزمات اشتغال المجتمع المدني في بلورة وصنع السياسات العامة على المستوى الترابي.

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى