ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بين هشاشة التشريع وقوة الترامي

ظاهرة الاستيلاء على
عقارات الغير بين هشاشة التشريع وقوة الترامي

 بقلم  الطالب حمزة العرابي
 طالب باحث في القانون الخاص بجامعة محمد الخامس بالرباط
 
     يلعب العقار
دورا مركزيا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاقلاع الاقتصادي في أي دولة,وذلك نظرا
لكونه احدى القطاعات الدينامية والحيوية داخل النسيج الاقتصادي بوجه عام,فهو
الأرضية الأساسية والخصبة لانطلاق المشاريع التنموية الكبرى التي تبنى عليها
السياسات العمومية في شتى المجالات.
ونظرا
لأهمية قطاع العقار فقد أحاطه المشرع المغربي بتنظيم تشريعي في مجموعة من النصوص
القانونية المتنوعة والمتعددة ومن بينها مدونة الحقوق العينية التي صدرت في سنة
2011 بغية تعزيز الترسانة القانونية العقارية المغربية,والتي أشارت في مادتها
السادسة على مجموعة من الحقوق العينية الأصلية والتي يمكن أن ترد على العقار وفي
مقدمة تلك الحقوق نجد حق الملكية العقارية والذي يعد وبحق احد أسمى وأرقى الحقوق
العينية على الاطلاق بحكم السلطات التي يخولها للمالك من جهة ولقدسيته وأهميته في
حياة الفرد والمجتمع ككل من جهة أخرى.

لذلك فقد
حرصت جل المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية على صيانته-أي حق الملكية- وحمايته
من كل تعسف أو انتهاك قد يطاله,فقد جاء في الفصل 17 من الاعلان العالمي لحقوق
الانسان والمواطن لسنة 1789 ما يلي ’’لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع
غيره لايجوز تجريد احد من ملكه تعسفا’’

وقد سار
المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المعاصرة حينما ارتقى بحق الملكية الى
مصاف الحماية الدستورية وذلك بمقتضى الفصل 35 من الدستور المغربي والذي جاء فيه
’’يضمن القانون حق الملكية
ويمكن الحد
من نطاقها وممارستها بموجب القانون اذا اقتضت متطلبات التنمية الاقتصادية
والاجتماعية للبلاد ولا يمكن نزع الملكية الا في الحالات ووفق الاجراءات التي ينص
عليها
القانون’’ ونظرا لأهمية
الملكية العقارية وقيمتها التعاقدية في السوق الاقتصادية فقد شكلت مند الأزل
والقدم مطمعا لذوي النيات السيئة الذين يحاولون الاعتداء عليها و غصبها من مالكيها
   ومن هذا المنطلق بدأت تتفشى ظاهرة الاستيلاء على عقارات
الغير,وقد بدأت تتخد هذه الظاهرة شكل جرائم منظمة يتقاسم فيها مختلف الفاعلين
والمتدخلين في مجال العقار أدوار مختلفة,معنية أحيانا بالتزوير وأحيانا أخرى
ببحثهم واحاطتهم بالعقارات المهمة خاصة تلك التي تعود ملكيتها للأجانب والمغاربة
المقيمين بالخارج والتي تعتبر أكثر عرضة للاستيلاء بالدرجة الأولى
   ومن
ثم يطرح موضوع هذه الدراسة المقتضبة مجموعة من الاشكالات والتي يمكن حصرها في ما
يلي
ما
هي الأسباب والعوامل التي تفضي الى تفشي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير؟
ما
هي أهم الثغرات التشريعية التي استغلها لوبيات العقار من أجل السطو عليها؟ وما هي
السبل الممكنة للتصدي لهذه الظاهرة؟
من أجل
الاجابة على هذه التساؤلات ارتأينا اعتماد تقسيم ثنائي على الشكل التالي
المطلب
الأول  أسباب وعوامل تفشي ظاهرة الاستيلاء
على عقارات الغير
المطلب
الثاني أهم السبل والأليات القانونية المتاحة من أجل التصدي لهذه الظاهرة

المطلب
الأول أسباب و عوامل تفشي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير


سنحاول أن نتطرق في
الفقرة الأولى للأسباب الاقتصادية و الاجتماعية ثم نعرج في الفقرة الثانية على
الأسباب القانونية و القضائية

الفقرة
الأولى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي الى تفاقم الاستيلاء على
العقارات

أولا
الأسباب الاقتصادية

    نظرا
للوظائف المتعددة التي يضطلع بها العقار فان جل الدول قامت بتحصين أنظمتها
العقارية بالعديد من القواعد القانونية,التي ترمي الى حماية الملكية العقارية من
التعدي والترامي والاستيلاء,لكن وبالرغم من ذلك تتضافر عدة عوامل تجعل تلك الحماية
قاصرة ولا غرو أن الهاجس و الدافع الاقتصادي يعد من بين أهم أسباب انتشار هذه
الظاهرة بشكل كبير,والمتمثل في الرغبة في الاغتناء السريع ولو بطرق ملتوية وغير
مشروعة لاسيما وأن تلك العقارات التي يتم الاعتداء عليها غالبا ما تكون ذات قيمة
مالية مهمة .
وبناء على
ما سبق فان العائدات المالية المحصلة من هذه العملية تكون غالبا الدافع الرئيسي
والمباشر للاقدام على الاستيلاء على عقارات الغير دون أي موجب قانوني

ثانيا
الأسباب الاجتماعية

    تعتبر
الأسباب الاجتماعية كذلك من الأسباب المباشرة التي تفضي الى ظاهرة الاستيلاء على
عقارات الغير ويتمثل ذلك في ارتفاع نسبة الأمية في المغرب خاصة في البوادي والقرى
وذلك في اطار ما سماه البعض بالأمية العقارية والجهل بالأحكام القانونية ذات
ارتباط بالملكية العقارية والتي سعى من خلالها المشرع حماية أصحاب الأراضي
والعقارات فالكثير من مالكي الأراضي لا يعرفون اللغة المحرر بها العقد و أغلبهم
كذلك لا يطلعون على الجريدة الرسمية و لا يولون لها أي أهمية
كما أن
عوامل الفقر والهشاشة والحاجة الماسة والملحة للسكن هي التي تدفع البعض كذلك الى
الاتجاه للسطو وغصب عقارات الغير .

الفقرة
الثانية العوامل القانونية و القضائية

أولا
العوامل القانونية

    ان سكوت
المشرع عن تنظيم قاعدة قانونية معينة أو تنظيمه اياها ولكن بشكل يشوبه نقص من شأنه
أن يساعد على الاستيلاء على أملاك الغير وهذا ما نجده في التشريع العقاري المغربي
,وذلك من خلال النصوص القانونية المتفرقة المتعلقة أساسا بتعدد الأنظمة العقارية
وتنوعها وصعوبة تحديد القواعد القانونية التي ستطبق على كل نظام عقاري معين سواء
تلك المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية أو في ظهير التحفيظ العقاري وغيره من
القوانين
و سنقتصر
هنا على أهم الثغرات التي تضمنتها مدونة الحقوق العينية ونعني بذلك المادة الثانية
من هذا القانون الأخير,فهذه المادة تعتبر وسيلة ومدخل واسع للاستيلاء على عقارات
الغير خاصة فيما يتعلق بالأجل والمعيار المحدد لحسن النية,وبالرجوع الى الفقرة
الثانية من المادة المذكورة يتضح أن المقيد بحسن نية لا يمكن مواجهته بأي شكل من
أشكال الاحتجاج الا في حالة تضرر صاحب الحق بسبب تدليس أو زور وعلى صاحب الحق أيضا
رغم ثبوت هذه الوقائع أن يمارس دعوى المطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات
  وبالتالي
فان المادة الثانية من القانون المتعلق بالحقوق العينية قد يكون سيفا مسلطا على
رقاب الملاك خصوصا الغائبين أو القاطنين خارج المغرب فقد تصبح أملاكهم  في مهب الريح في زمن تنتشر فيه مافيات العقار
وتتحين فيه الفرص في مثل هكذا ثغرات قانونية وذلك من أجل سلك عمليات النصب
والاحتيال وجني أرباح خيالية دون أي وجه حق

ثانيا
الأسباب القضائية

  من المعلوم
أن المشرع المغربي خول للسلطة القضائية مهمة حماية حقوق وحريات الأفراد من أي هدر
أو ضياع وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 117 من الدستور المغربي والذي جاء فيه’’يتولى
القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون’’
الا أنه و
مع تفشي واستفحال هذه الظاهرة بشكل كبير بدأ معه يطرح تساؤل حول تعاطي أو تعامل
المؤسسة القضائية مع القضايا التي تعرض على أنظارها وكيفية تعاملها مع تلك النوازل
ومن بين
الأسباب القضائية والتي تثار في هذا الصدد وهي طول أمد ومسطرة التقاضي واصدار
الأحكام القضائية فقد تصل هذه الاجراءات والمساطر الى عشرين سنة أو أكثر ربما بحسب
كل قضية وحيثياتها لاسيما وأن القضايا العقارية بوجه عام تكون عادة متشعبة ومعقدة
ومن الصعوبة بمكان
كما أن
مسألة التذييل بالصيغة التنفيدية الموكولة لقضاة الموضوع قد تثير هي الأخرى اشكال
وقد تساعد على انتشار هذه الظاهرة,حيث لا يمكن لقاضي في محكمة ابتدائية معينة
التأكد من صحة و سلامة وثيقة معدة من موثق أجنبي مثلا والتأكد من مصداقيتها.

المطلب الثاني
أهم السبل والأليات المتاحة من أجل التصدي لهذه الظاهرة

   كما سبق
وقلنا فان العقار يعد ثروة اقتصادية كبرى وهامة بل ومحركا أساسيا للاقتصاد وألية
لتحقيق السلم والأمن الاجتماعيين لذلك فقد باتت الحاجة ملحة من أي وقت مضى من أجل
التصدي والوقوف بوجه هذه الظاهرة التي نحن بصددها لذلك فقد جاءت الرسالة الملكية
الموجهة الى وزير العدل والحريات أنذاك واضحة حيث صنفت التدابير الواجب اتخادها من
أجل التصدي لهذه الظاهرة الى تدابير تشريعية(الفقرة الأولى),وأخرى تنظيمية و عملية
وقضائية(الفقرة الثانية)

الفقرة
الأولى التدابير التشريعية من أجل التصدي لظاهرة الاستيلاء علىqعقارات الغير

   ان السطو أو
الاعتداء على عقارات الغير قد يتم غالبا عبر استغلال فراغات أو هفوات أو ثغرات
قانونية تكون قد سقطت سهوا من المشرع المغربي أو أنه قام بعملية النسخ دون المامه
بالعواقب التي يمكن أن يترتب عن ذلك لذلك فقد تمت الدعوة في الرسالة الملكية
المذكورة أعلاه بالأساس الى تعديل بعض النصوص القانونية ويتعلق الأمر بمقتضيات
مدونة الحقوق العينية وكذا قانون التحفيظ العقاري,وفي ما يخص النص الأول فقد سبق
واشرنا الى أن احكام المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية هي مادة عجيبة وفريدة
لم يعرف القانون العقاري المغربي لها مثيلا لذلك فهي تعتبر مدخل ومنفذ قد يساعد
بعض الأشخاص على الاستيلاء على عقارات الغير,بل الأكثر من ذلك فقد وضعت عبئا ثقيلا
على المالكيين بضرورة الاطلاع على وضعية عقاراتهم مرة واحدة كل أربع سنوات وهذا هو
الخطير في الأمر لأن هناك بعض المواطنين لا يقومون بمراجعة المحافظة العقارية بشكل
منتظم خاصة المقيمين خارج التراب الوطني.
أما في ما
يخص قانون التحفيظ العقاري سوف نشير الى ضرورة تعديل المادة 62 من ظهير التحفيظ
العقاري ويتضح من خلال استقراء مقتضيات الفصل المذكور أن المشرع المغربي لم يعترف
الا بالرسم العقاري وما سجل فيه أما باقي الوثائق والسندات فلم يعرها أي اهتمام
لذلك فالمشرع لابد له من الانكباب على تعديل هذا الفصل وذلك بوضع استثناءات على
الصفة النهائية لقرار التحفيظ في حالة ثبوت التزوير أو التدليس ووضع استثناءات
كذلك على مبدأ نهائية الرسم العقاري.

الفقرة
الثانية التدابير التنظيمية والقضائية والعملية

   من البديهي
أن المجال العقاري تتعدد فيه البنيات والهيئات المتدخلة فيه ومن بينها المحافظة
العقارية والتي تعتبر الجهار المكلف بالسهر والحرص على تطبيق نظام التحفيظ
العقاري,وتعتبر كذلك صلة وصل بين من يدعي ملكية ويطلب تحفيظها ومن ينازع فيها
ويتعرض عليها لذلك فيتعين على المحافظة العقارية اتخاد مجموعة من التدابير التي
انيطت بها ومن بينها فتح بوابة الكترونية يتم من خلالها اشهار رقمي يسمح ويمنح
للملاك المقيدين مكنة تتبع وضعية عقارات من خلال الاطلاع على البيانات المسجلة
بالرسوم العقارية,دون تحمل عناء التنقل والترحال الى المحافظة العقارية خاصة
بالنسبة للأجانب المقيمين بالخارج.
وهذا الأمر
تحقق فعلا من خلال بوابة محافظتي والتي جاءت للتخفيف من حدة مقتضيات المادة
الثانية من م ح ع ولكن يظل هناك عائق في ما يخص الملاك الذين يعانون من الأمية بل
حتى الأشخاص الذين لا يواكبون التطور التكنولوجي الحاصل وبالتالي لن يتمكنوا من
الاستفادة من هذه الخدمة الالكترونية.
بالاضافة
الى دور المحافظ العقاري في التصدي لهذه الظاهرة نجد أيضا دور النيابة العامة
والتي تمثل المجتمع في الحفاظ على امنه واستقراره فهي مدعوة للانخراط الفعلي
لمحاربة ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير وذلك من خلال مراقبة محرري العقود
العقارية وذلك عن طريق اعمال المراقبة القبلية والبعدية  ويتعين كذلك الحرص الشديد على تتبع الأبحاث في
قضايا الاستيلاء لما له من تأثير على الاقتصاد والاستثمار والأمن العقاري بوجه
عام.

خاتمة

  حاصل القول
أننا عمدنا في هذه المقالة الى التوقف عند بعض النقط  فقط مراعاة للاختصار والبساطة لذلك فالمشرع
المغربي مدعو الى الاجتهاد أكثر فأكثر قصد التصدي ومواجهة ظاهرة الاستيلاء على
عقارات الغير,والتي باتت تشكل خلخلة وزعزعة للأمن العقاري ولاطمئنان المواطنين
وملاك العقارات على أراضيهم,ولذلك لابد من تعزيز الترسانة القانونية سواء عن طريق
اصدار قوانين أو تعديل القوانين التي كشفت عن مجموعة من النواقص والثغرات التي يتم
استغلالها من قبل أشخاص يتربصون لعقارات الغير عن طريق النصب والتزوير وغيرها من
الأساليب التي تتطور يوما بعد يوم مع تطور التشريع,هذا دون نسيان أهمية اجراء
حملات تحسيسية لتوعية المواطنين بالمقتضيات القانونية وخطورة هذه الظاهرة بصفة
عامة.
 

 
المراجع
المعتمدة
ادريس
الفاخوري,مقال منشور في موقع مركز ادريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم
القانونية بوجدة يوم 15 يوليو 2017 تحت عنوان’’ظاهرة الاستيلاء عقارات الغير الأسباب
وسبل التصدي قراءة في ضوء الرسالة الملكية المؤرخة في 30 دجنبر 2016.
الدكتورة
حليمة بنت المحجوب بن حفو,القانون العقاري المغربي وفق أخر المستجدات دراسة نظرية
تطبيقية معززة باجتهادات قضائية,المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2018.
محمد
الزكراوي,مقال تحت عنوان’’حكامة العقار بين هشاشة التشريع وسطوة الاستيلاء’’,جريدة
الأخبار القانونية العدد1320 الجمعة 3 مارس 2017.
عبد الله
درويش ’’العدالة التصالحية كألية لتسوية المنازعات بين طالب التحفيظ
والمتعرض’’,مقال منشور بمجلة القضاء المدني,سلسلة دراسات وأبحاث,العدد الخاص
بالمنازعات العقارية دراسات وأبحاث في ضوء نظام التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق
العينية والمستجدات التشريعية في المادة العقارية,العدد 9 سنة 2005,ص 143.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى