الجهوية المتقدمة وميثاق اللاتمركز الإداري: أية إضافة؟
أناس أنجار باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري
مقدمة :
يشكل ميثاق اللاتمركز الإداري لبنة أساسية لبناء جهوية متقدمة ناجحة، وحلقة في مسلسل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي شهدتها بلادنا خاصة بعد دستور 2011، كما يعد خيار سياسي ودستوري أساسي داعم للجهوية المتقدمة ، فالسياق الذي واكب صدور الميثاق مرتبط بمتغيرات سياسية، اقتصادية واجتماعية، حيث عمل خطاب عيد العرش ليوم 22 يوليوز 2018 على بزوغ هذا الميثاق بشكل صريح، حث فيه الحكومة على إخراج هذا الأخير إلى حيز الوجود باعتباره نظام فعال لادارة لامتمركزة يقوم على مقاربة ترابية، حيث صادقت هذه الأخيرة بدورها على هذا الإصلاح المهيكل بتاريخ 27 دجنبر 2018.
وقد أولى دستور 2011 عناية خاصة بطبيعة التنظيم الترابي لبلادنا، فبالرجوع لمقتضياته نجد أن فصله الأول يحدد لنا طبيعة هذا التنظيم أنه تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، فالدستور كرس الجهوية كخيار استراتيجي داعم للتنمية المندمجة للمجال الترابي ، فمع مرور ما يزيد عن السبع سنوات على تطبيق الدستور، وإصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية غير بعيد، ثم تلاها إصدار ميثاق اللاتمركز الاداري، فبالحديث عن اللامركزية يمكن تعريفها كنظام تتنازل الدولة بمقتضاه عن جزء من اختصاصاتها إلى أجهزة محلية منتخبة، أما اللاتمركز الاداري يقصد به عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين البنيات والمستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة، وتتمثل مهمتها في نقل اختصاصات الادارة المركزية الى الادارات البعيدة عنها جغرافيا للقيام بمهام معينة عهدت إليها، وتخويل المصالح الجهوية والاقليمية صلاحيات اتخاذ القرارات، إضافة إلى كل ذلك تظهر الحاجة لوجود مؤسسة ترابية قادرة على تنسيق بين مختلف المصالح اللاممركزة المتواجدة على المستوى الجهوي والاقليمي، وتتبعها والسهر على حسن سيرها، وقد أسند هذا الاختصاص وفق منطوق الفصل 145 من الدستور لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، كما أن الميثاق عزز ذلك باعتماده على مرتكزين أساسيين الوالي والجهة باعتبار الوالي مؤسسة والجهوية أساس التنظيم الترابي الجهوي، فارتباطا بالموضوع يمكن طرح التساؤل التالي:إلى أي حد يمكن اعتبار ميثاق اللاتمركز الإداري كداعم للجهوية المتقدمة ؟
المحور الأول : مبادئ وأهداف اللاتمركز الاداري
يحدد ميثاق اللاتمركز الاداري المبادئ والقواعد الجديدة التي تحكم العلاقات بين مختلف مكونات الادارة المركزية واللاممركزة، بما يضمن النجاعة في التدبير والانسجام بين السياسات العمومية وضمان انسجامها على المستوى الترابي،مع مراعات الخصوصيات الجهوية والاقليمية خاصة في اعداد وتنفيذ السياسات وتقييمها.
من بينها مبادئ وآليات الانصاف في تغطية التراب الوطني المتمثلة في ضمان التوزيع الجغرافي المتكافئ لمصالح الدولة اللاممركزة، اعتماد مبدأ التفريع في توزيع المهام والاختصاصات مع تخويل الجهة مكانة الصدارة في التنظيم الإداري الترابي، اضافة الى تكريس الدور المحوري لوالي الجهة في مجال نقل السلط من المركز إلى الإدارات في الجهات باعتباره ممثلا للمصالح المركزية، ومن بين المبادئ أيضا وحدة عمل المصالح اللاممركزة للدولة ضمانا للنجاعة والفعالية، وتحقيقا للالتقائية والتكامل في الاختصاصات الموكولة إليها مع ربط المسؤولية بالمحاسبة في تقييم أدائها ، تبسيط إجراءات الولوج الى الخدمات العمومية وتقريب الخدمات العمومية من المرتفقين وضمان جودتها واستمراريتها .
كما يهدف الى ارساء دعائم لاسيما منها الجماعات الترابية من خلال السهر على تفعيل آليات الشراكة والتعاون بينها وتقديم كل أشكال الدعم ضمان التقائية السياسات العمومية وتجانسها ، تحقيق الفعالية والنجاعة في تنفيذ البرامج والمشاريع العمومية.
فعلى العموم لا شك أن مبادئ الحكامة وأهداف ميثاق اللاتمركز الاداري تسعى إلى مواكبة الجهوية المتقدمة والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل، والرفع من جودة الخدمات الاجتماعية وتقريب الخدمات العمومية الى المرتفقين، ومن تم يتعين على جميع مسؤولي إدارات الدولة التقيد بهذ المبادئ والدعائم وبلورتها على أرض الواقع لتحقيق التنمية المجالية.
المحور الثاني : الفاعلين الأساسيين : أية نجاعة ؟
تختص الادارات المركزية بالمهام التي تكتسي طابع وطني والتي يتعذر انجازها من قبل المصالح اللاممركزة للدولة هذه الأخيرة يندرج اختصاصها في السهر على تدبير المرافق العمومية الجهوية التابعة للدولة، وتنفيذ السياسيات العمومية، والإسهام في إعداد وتنفيذ البرامج والمشاريع العمومية المبرمجة على صعيد الجهة، بالتالي فتوزيع الاختصاصات بين الادراة المركزية والمصالح اللاممركزة باعتماد آليات الحكامة الترابية، من شأنه تعزيز التقائية السياسات المتخذة بما يضمن نجاعتها ويحقق أهدافها .
تتخد السلطات الحكومية المعنية كافة التدابير اللازمة لتمكين المصالح اللاممركزة التابعة لها من ممارسة صلاحيات في اتخاذ المبادرة في تفعيل السياسات العمومية القطاعية المكلفة بتنفيذها، وابتداع الحلول الكفيلة بتجويد الخدمات العمومية التي تقدمها للمرتفقين وتفعيل هذه الحلول، ومن بين أهم التدابيرالتي تتخدها هذه الأخيرة نجد التصاميم المديرية التي تتيح امكانيات من موارد بشرية ومادية للمصالح اللامركزية للدولة تحت اطار تعاقدي يندرج ضمنه أيضا مؤسسة والي الجهة ورؤساء التمثيليات الادارية الجهوية.
لقد حدد دستور 2011 في فصله 145 العلاقة بين المصالح اللامركزية للدولة بممثلي السلطة المركزية ،حيث يقوم ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، باسم الحكومة، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، وذلك بالسهر على حسن سيرها ، كما يشرف الولاة والعمال على تحضير البرامج والمشاريع المقررة من قبل السلطات العمومية ويسهرون على ضمان التقائيتها وانسجامها وتناسقها، كما لهم اتخاذ كافة التدابير اللازمة لكي تنفذ المصالح اللاممركزة للدولة الالتزاماتها وتقوم بالمهام المنوطة بها ،كابرام اتفاقيات وعقود بخصوص البرامج والمشاريع، من هنا يتضح أنه لأول مرة تمت دسترة مؤسسة الوالي في دستور 2011.
أما فيما يخص طبيعة علاقات المصالح اللاممركزة للدولة بالجماعات الترابية والهيئات والمؤسسات الأخرى ذات الاختصاص الترابي، تتجلى في تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي، وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي، تعمل كذلك على إرساء أسس شراكة فاعلة بينها في مختلف المجالات ولا سيما عن طريق إبرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة، بناء على تفويض خاص، كما تساهم أيضا في تنمية قدرات الجماعات الترابية وهيئاتها ومواكبتها، تعزيز آليات الحوار والتشاور.
تقوم المصالح اللاممركزة على مستوى الجهة والعمالة والاقليم بجميع أعمال التنسيق اللازمة مع المركز الجهوي للاستثمار من أجل تمكينه من القيام بالمهام المنوطة به، من مساعدة المستثمرين بقصد الحصول على التراخيص اللازمة لانجاز مشاريعهم الاستثمارية ومواكبتها.
يتضح لنا أن مضمون المرسوم يكتسي أهمية بالنسبة للمواطن والإدارة والجماعات الترابية وكذا المقاولة، وما يعزز هذا الطرح كون المغرب اختارا دستوريا الجهة كخيار استراتيجي وبوأها مكانة الصدارة، حيث اعتبارها الإطارالأمثل لإرساء دعائم اللاتمركز الإداري، حتى تكون مدخلا لتمكين الجهوية من بلوغ أهدافها، مع بروز مؤسسة الولاة والعمال بامتلاكهم صلاحية الإشراف على نجاعة ممارسة اختصاصات أجهزة الدولة وتناسق عمل كافة المتدخلين على المستوى الترابي الاقليمي والجهوي .
إن ضمان التقائية السياسات رهين بالتقائية البرنامج الحكومي في أبعاده التنفيذية على أرض الواقع مع البرنامج الجهوي ومخططات العمل المحلية، وهذا يحتاج لإدارة موحدة برئاسة من أوكل إليه الدستور صلاحية قيادة الجهة .
فعلى العموم ، على جميع المتدخلين في صناعة القرار الترابي توحيد الجهود من خلال عقلنة حقيقية لتدخلات الدولة على المستوى الترابي لتحقيق التنمية المجالية المنشودة لأن الأساس القانوني وحده لا يكفي لترجمة الأهداف المتوخاة على أرض الواقع .