تجربة محامي سابق اجتاز مبارة المحاماة والقضاء ووزارة المالية بنجاح
تجربة محامي سابق اجتاز مبارة المحاماة والقضاء ووزارة المالية بنجاح
يقال إن عمر الإنسان لا يقاس بعدد السنين التي مضت منه بقدر ما يقاس، بما عاشه من تجارب، وما سطر في حياته من مراحل بعضها مضيء والآخر مظلم. بين الأمل والرغبة في التحدي، عاش محمد الهيني، القاضي السابق، تجارب مثيرة بصمت حياته، بدءا من الطفولة والبعد عن حضن الأم، والاستقرار بدار للأيتام، ثم العودة إلى حضن الأسرة ومواصلة المسيرة الدراسية التي توجت باعتلاء مقعد القاضي المدافع عن الحقوق والحريات، لكن القدر شاء مرة أخرى أن يخطف منه تلك الفرحة. هي قصة كفاح يحكيها محمد الهيني، كفاح من أجل البقاء في مجتمع لا يؤمن إلا بلغة القوي، تماما مثل قانون الغاب.
تلك التضحيات الجسام أهلته للنجاح في ثلاث مباريات، الأولى مفتشا في وزارة المالية، والثانية محاميا، والثالثة قاضيا.
“كان لمؤلف الأستاذ عسو منصور في المالية العامة في مباراة مفتشي وزارة المالية دور كبير في تألقي بها لأنه كان المرجع الوحيد في الساحة القانونية في تلك الحقبة، وأتذكر في الامتحان الشفوي أن الأستاذ الممتحن، بعد تقديم الإجابة عن أسئلته، قال لي ألف مبروك وعليك الاستعداد من الآن لولوج للوظيفة”.
وبخصوص مباراة الولوج لمهنة المحاماة، فقد وفق فيها سواء في الجانب الكتابي أو الشفوي لان الأسئلة المطروحة كانت عبارة عن نوازل ساعدته في إبراز مواهبه القانونية التي أحسس أنها بدأت تصقل وتكبر.
في مباراة الملحقين القضائيين “أتذكر أنه في اليوم الثالث من اجتياز الاختبارات توفي المرحوم الملك الحسن الثاني مما اضطر اللجنة المنظمة إلى تأجيل إجرائها إلى موعد آخر استكملنا فصوله بعد شهر، وأتذكر أنه في ذلك اليوم وبينما أراجع دروسي في بيت عمتي بحي يعقوب المنصور بالرباط فوجئت بتلاوة القرآن في التلفاز في غير موعده،ولوقت أطول، ما ترك في نفسي انطباعا أن شيئا ما حدث، لكن لا علم لي بفحواه، نزلت إلى الشارع وسألت احد الجيران فاخبرني أن قناة الجزيرة بثت خبرا يفيد أن الحسن الثاني في ذمة الله، وجلست أمام التلفاز لأسمع الخبر الصاعقة رسميا.
وبعد ساعات أعلنت التلفزة الرسمية الخبر بصفة رسمية، حزنت كسائر المغاربة”.بعدها بمدة كان رفقة أصدقائه في حديقة جنان السبيل أخبره أحدهم بنجاحه في المبارة وطلب منه مهاتفة مصلحة قسم القضاة لمعرفة النتيجة، وفعلا ذهب إلى أقرب مخدع هاتفي واتصل ليسمع الخبر السار، انهمرت الدموع من عينيه.
“ذهبت مسرعا إلى المنزل بحي البورنيات وأنا أبكي فرحا ولم أجد والدتي فأخبرني الجيران أنها عند خالتي بحي بلخياط. ارتميت على صدر والدتي وهي تقبلني بفرح وتحضنني. قبلت رأسها ويديها وهي رفقة الخالة فرحتين. رجعنا للمنزل فحضر إخوتي فكان ذلك اليوم عرسا بامتياز.
في الغد أتممت رحلة الاستعداد للامتحانات الشفوية التي مرت في أحسن الظروف، إذ أن اللجنة سألتني عما إذا كنت قد تفوقت في مباريات سابقة فأكدت لأفرادها نجاحي في المحاماة ومبارة المالية، لأفاجأ أن النقيب يقول للجنة ‘ذ الهيني سيكون معنا فأجابه رئيس اللجنة هو معنا الآن ولن نفرط فيه’، خرجت مسرعا نحو والدتي التي تركتها بالمقهى المقابلة للمعهد العالي للقضاء، قرأت في عينيي النصر ”بعد خمسة عشر يوما من الامتحان نودي عليه للالتحاق بالمعهد.
وجد نفسه متقدما في الصفوف في المجموعة الأولى. سلمته إدارة المعهد بذلة القضاء. شعور خاص لا يوصف إنها أولى ثمار ونتائج العمل، رجع في الحافلة إلى مدينة فاس وبذلته لا تفارقه .
في غمرة الفرح والانتشاء بالولوج للقضاء توصل باستدعاء للحضور إلى وزارة المالية لتسلم منصبه موظفا بالوكالة القضائية للمملكة، والإعلان مكتوب عليه “إن لم تحضر تعتبر متخليا عن الوظيفة” فتخلى عنها، وعن الولوج لمهنة المحاماة لأن مصاريف التسجيل كانت مرتفعة جدا ولم يكن يملك شيئا يدفعه، فاختار القضاء لأنه “كان حلمي أن أصير قاضيا”.